قراءة في خطاب الحريري: دلالات سياسية مُعبّرة… عبد الكافي الصمد

أكثر من نقطة لافتة كانت حاضرة في المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس الحكومة سعد الحريري مساء أول من أمس، في السرايا الحكومي الكبير، وامتد قرابة ثلاثة أرباع الساعة، تطرّق فيه الحريري إلى كثير من القضايا، وشكّل محور اهتمام محلي واسع، إنعكس في ردود الفعل على مواقفه، وينتظر أن يترجم بعض هذا الإهتمام في الحراك السّياسي الذي يُنتظر أن تشهده الساحة اللبنانية في الأيام المقبلة.

أبرز هذه النقاط يمكن تلخيصها بما يلي:

أولاً: في خطابه المستفيض الذي ألقاه خلال مؤتمره الصحافي، الذي ناهز عدد كلماته 3800 كلمة بما فيه ضمناً ردّه على أسئلة الصحافيين، أتى الحريري على ذكر كلمة الموازنة 17 مرّة، ما يدلّ على ان الهمّ المالي والإقتصادي بات يتقدم عند رئيس الحكومة على بقية الإهتمامات والقضايا الأخرى؛ فهو بعدما تراجع دوره وحضوره وتأثيره في الملفات الداخلية والإقليمية، وحتى داخل طائفته بعد الإنتخابات النيابية الأخيرة، وجد أنه لم يبق أمامه إلا الجانب المالي والإقتصادي ليعطيه أهتماماً أوسع، عله يحقق فيه نجاحاً يُعوّض فيه إخفاقاته في الجوانب الأخرى، وعلى رأسها السياسية.

ثانياً: ذكر الحريري في مؤتمره الصحافي الطائفة السنّية 14 مرّة، وهو أمر ندر أن فعله أي رئيس حكومة من قبله، متحدثاً عن “غضب” سنّي من ممارسات بعض “الشركاء” في السلطة، كما تطرق إلى ذكر دار الفتوى ورؤساء الحكومات السابقين، وهو ما لم يكن يفعله من قبل، بعدما اعتبر نفسه “بي السنّة” مختصراً الطائفة بشخصه.

لكن هذا الإختصار كان في مرحلة إستقواء سابقة تفرّد فيها الحريري بتمثيل طائفته نيابياً ووزارياً، إنما بعدما بات هذا التفرّد من الماضي، وأصاب الإستقواء بعض الوهن السياسي الذي لم يعد خافياً، لجأ الحريري إلى طائفته للإستقواء بها، من دار الفتوى إلى رؤساء الحكومات السابقين الذين غيّب دورهم وعادى بعضهم في مراحل سابقة، وهو أسلوب يتبعه عادة أغلب رجال السّياسة في لبنان، الحريري وسواه، الذين عندما يرون أنفسهم في مأزق سياسي ما يلجأون إلى طائفهم للإحتماء والإستقواء بها.

ثالثاً: سمّى الحريري رئيس الجمهورية ميشال عون 4 مرّات، كذلك ذكر رئيس التيار الوطني الحرّ وزير الخارجية جبران باسيل 4 مرات، في صدفة لا تبدو مقصودة. لكنه بينما أشاد على نحو كبير برئيس الجمهورية الذي اعتبره ″ضمانة لنا″، لم يخف وجود ″حساسية″ في علاقته مع باسيل، وهو أمر فُسّر على أنه محاولة من الحريري للتصويب على رئيس التيار البرتقالي بعد الإحتقان الذي ساد الشارع السنّي غضبا واستياء من مواقف باسيل السياسية.

رابعاً: لم يأت الحريري على ذكر حزب الله في مؤتمره الصحافي سوى مرة واحدة فقط، وهي المتعلقة برفض الحزب فرض ضريبة على ذوي الدخل المحدود، لكنه بالمقابل لمّح إلى موقف الحزب من مشاركته في القمتين العربية والإسلامية في السعودية.

هذه الهدنة في علاقة الحريري مع حزب الله، وابتعاده عن توجيه نقد قاس إليه، خصوصاً بما يتعلق بمواقف الحزب من السعودية ودول الخليج وقضايا المنطقة، تعود إلى دعم الحزب ومعه حركة أمل للحريري في رئاسة الحكومة، وهو دعم غير مسبوق للحريري عكسه بوضوح الثنائي الشيعي الذي صرح بوضوح أمس، عبر مصادره، بأنه ″لا يقبل أن يكون الحريري مكسر عصا لأي طرف، وشمّاعة لتصفية الحسابات بين القوى السياسية″، مشدّداً على أن ″أي خلاف سياسي معه لا يعني أبداً بأننا نوافق على تقويض عمل الحكومة وتعطيلها أو استهداف رئيسها″، وهو موقف يكاد يقول إن الثنائي الشيعي هو الداعم الرئيسي للحريري في رئاسة الحكومة، متقدماً على أي حليف آخر له.

خامساً: غاب النظام السوري عن خطاب الحريري كلياً في مؤتمره الصحافي، وهو أمر نادر جداً. فقد اكتفى الحريري بذكر ″الحريق السوري″ 4 مرات لإشارته إلى أن سياسته تسعى إلى إبعاد هذا الحريق عن لبنان، كما ذكر ″النازحين السوريين″ 4 مرات أيضاً للدلالة على أزمتهم وتأثيرها على لبنان، ما يعدّ تراجعاً في خطاب الحريري ومواقفه من الأزمة السورية، ملتزماً سياسة ″النأي بالنفس″ عنها، ربما، للمرة الأولى.


مواضيع ذات صلة:

  1. ليس للحريري من يهاتفه… عبد الكافي الصمد

  2.  الإرهاب يضرب طرابلس: قراءة في الأبعاد والتداعيات… عبد الكافي الصمد

  3.  سقطة باسيل وسجال الحريري: تسويات تهتز فهل تقع؟… عبد الكافي الصمد


Post Author: SafirAlChamal