ليس للحريري من يهاتفه… عبد الكافي الصمد

في روايته ″ليس للكولونيل من يهاتفه″، يروي الكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، الحائز على جائزة نوبل للآداب في عام 1982، قصة رجل عسكري برتبة كولونيل سُرح من الخدمة العسكرية بعد أن شارك في الحرب الأهلية الكولومبية، ليجد نفسه يعيش براتب تقاعدي زهيد مع زوجته في كوخٍ صغير.

يروي ماركيز في روايته التي نشرت عام 1961، أحداثا مؤلمة عن الكولونيل الذي منذ أن انتهت تلك الحرب لم يفعل شيئاً سوى الإنتظار. يذهب كل يوم إلى مكتب البريد لعله يجد في انتظاره رسالة تنبئه بزيادة راتبه. يظل مُلازماً لمكتب البريد وهو ينتظر الرسالة التي لن تصله أبداً. وعلى مدى خمسة عشر عاماً لم ينل الكولونيل ما يعينه على مرارة حياته الكئيبة.

تشبه عزلة الكولونيل الكولومبي بعد تقاعده، في بعض وجوهها، عزلة رئيس الحكومة سعد الحريري وهو الذي، للمفارقة، لم يتقاعد بعد، لكن الأيام القليلة الماضية أظهرت أنه يعاني من عزلة سياسية قاسية دفعت بعض المقربين منه إلى التلويح، أمس، أنه “قد يقدم على الإستقالة من رئاسة الحكومة إذا استمر الوضع على ما هو عليه”.

هذه العزلة السياسية التي يعاني الحريري مؤخراً، تمثلت في ابتعاد حلفاء اليوم والأمس عنه خلال فترة زمنية قصيرة، ما شكل دافعاً لطرح تساؤلات عديدة، أبرزها: إذا كان الحريري في السلطة يعاني من هكذا عزلة، فكيف سيكون حاله عندما يغادرها؟.

الخطوات الأولى في عزلة الحريري سياسياً بدأت تداعياتها بعد أزمته السّياسية والمالية في السعودية، ثم جاء تبنيه ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية ليتسبب في اتساع رقعة هذه العزلة، بعدما اعترض بعض حلفائه في فريق 14 آذار على تبني ترشيح عون بعد تخليه عن ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، الذي كان الحريري قد تبنى ترشيحه مسبقاً.

في الإنتخابات النيابية التي جرت العام الماضي، كان حلفاء الحريري قد بدأوا يبتعدون عنه تدريجياً، أولاً بسبب قانون الإنتخابات القائم على النسبية والصوت التفضيلي؛ وثانياً لاختياره دعم حلفائه الجدد على حساب حلفائه القدامى الآذاريين في الإستحقاق النيابي، وهو ما أعلنه بوضوح عندما دعا الناخبين المؤيدين له في البترون، كمثال، التصويت لصالح رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، على حساب حليفيه السابقين، النائب السابق بطرس حرب والقوات اللبنانية الممثلة بمرشحها النائب فادي سعد.

خسارة الحريري لحلفائه القدامى لم يُعوّضه بربحه حلفاء جدد، كان أبرزهم باسيل وتياره البرتقالي، الذي بدأ يستقوي وجوده في السلطة لتعزبز وضعه سواء في تشكيل الحكومة أو من خلال التعيينات الإدارية، وصولاً إلى حدّ قوله علناً بأنه يريد “إحياء” المارونية السّياسية التي قامت على جثتها سنّية سياسية، في اتهام مباشر مع مفعول رجعي، للحريري وتيّاره السياسي، إلى جانب التباين بين الطرفين حول العديد من القضايا، ما أدى الى اندلاع سجال حاد بين الطرفين، وتراشق إعلامي من العيار الثقيل، عادت معه عبارات ومواقف ما قبل اندلاع الحرب الأهلية للبروز مجدّداً، بعدما ظنّ البعض أنها اندثرت، وترافق ذلك كله مع انقطاع الإتصال بين الحريري وباسيل، وإعلان أوساطهما أن التواصل بينهما مقطوع.

وما زاد الطين بلّة وعزّز من عزلة الحريري السّياسية، النزاع الذي نشب بينه وبين رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، بسبب الخلاف بينهما على اتفاق مسبق بالمداورة في منصب رئيس بلدية شحيم في إقليم الخروب، وهو خلاف جعل شراراته تندلع بحدّة على مواقع التواصل الإجتماعي بين قيادات ومناصري الطرفين، برغم محاولة البعض رأب هذا الخلاف بينها حول رئاسة بلدية، لأنها “ما بتحرز”، حسب قولهم، لكن تبين أن هذا التحالف الهشّ بين الجانبين، الذي قطع التواصل بين الفريقين، قابل للكسر عند أول خلاف بينهما حول الحصص والمنافع ومواقع النفوذ.

جردة الحساب السريعة هذه تظهر أن الحريري بدأ يعاني من مأزق كبير، وعزلة سياسية غير مسبوقة بالنسبة له، بعدما خسر أغلب حلفائه القدامى والجدد على حدّ سواء، وبات معه خيار الإستقالة من رئاسة الحكومة مطروحاً؛ فهل يقدم الحريري على هكذا خطوة، وهل يجد نفسه في عزلة قبل الأوان، ويلقى باكراً مصير الكولونيل المتقاعد في رواية ماركيز، أم يجد مخرجاً له من أزمته؟.


مواضيع ذات صلة:

  1. الإرهاب يضرب طرابلس: قراءة في الأبعاد والتداعيات… عبد الكافي الصمد

  2. سقطة باسيل وسجال الحريري: تسويات تهتز فهل تقع؟… عبد الكافي الصمد

  3. الحكومة تحارب الفقر بفرض ضرائب على الفقراء!… عبد الكافي الصمد


 

Post Author: SafirAlChamal