طرابلس تنتصر على الارهاب… غسان ريفي

فجأة ومن دون سابق إنذار وجدت طرابلس نفسها وعشية عيد الفطر المبارك أمام مواجهة جديدة مع “الارهاب” الذي أطل برأسه ليلا زارعا الخوف والرعب في أرجائها، ومحولا فرحة عيدها الى مأتم حزين، وضاربا كل الجهود المبذولة من أجل إخراج طرابلس من واقعها المرير وجعلها قبلة أنظار اللبنانيين خصوصا أن للعيد طعما آخر في مدينة العلم والعلماء غير موجود في أي مدينة أخرى.

فجأة ومن دون سابق إنذار وجدت طرابلس نفسها تستعيد مآسٍ كانت تجاهد لمحو ذكرياتها، بعد سنوات من الاستقرار الأمني التام، ووجدت القوى الأمنية من جيش وقوى أمن داخلي نفسها في دائرة الاستهداف الدموي في عز الاسترخاء الأمني وحصر الاهتمام بأمن المواطنين من بعض الاشكالات الفردية فضلا عن تنظيم حركة السير الكثفية التي كانت تسيطر على كل الشوارع.

أربعة شهداء من العسكريين رووا بدمائهم أرض طرابلس بعدما طالتهم يد الغدر من قبل إرهابي إستغل العيد وحركته وفرحته، فخطط وجهز نفسه بكل أدوات الموت، ونفذ مسلسلا دمويا بدأ من مصرف لبنان وإستهداف نقطته الأمنية التابعة لقوى الأمن الداخلي بقنبلة يدوية وبوابل من الرصاص، وإنتقل الى محيط سنترال الميناء ليستهدف سيارة أمنية عالقة في زحمة السير ففتح نيرانه الحاقدة عليها فقتل من فيها (شهيدان من الدرك) ليكمل خطواته الآثمة على دراجته النارية باتجاه مرفأ طرابلس مستهدفا دورية للجيش اللبناني قدمت شهيدين من العسكريين، قبل أن يعود أدراجه محاولا إفراغ إجرامه في المدنيين بعد تحصنه في مبنى إيعالي في شارع دار التوليد، حيث حاول إقتحام أكثر من منزل لكنه لم يفلح في ذلك، فخلع وكسر باب إحدى الشقق التي لم يكن سكانها فيها، وتحصن على شرفتها وبدأ باطلاق النار على العسكريين الذين كانوا ينفذون طوقا أمنيا حول المبنى لتتدخل العناية الالهية وتنقذهم، قبل أن يتخذ القرار الأمني بمداهمة المبنى والشقة التي يتحصن فيها من قبل القوة الضاربة في الجيش والمعلومات حيث نجحت في محاصرته خلال وقت قليل، ما إضطره الى تفجير نفسه بحزام ناسف كان يزنر نفسه فيه ما أدى الى مقتله على الفور، لتسجل طرابلس إنتصارا جديدا على الارهاب وتطوي صفحة أليمة من صفحاتها ربما تحتاج الى وقت كبير لنسيان تفاصيلها المؤلمة، وللخروج من تداعياتها الكارثية.

لا ينتهي مسلسل الأسئلة حول هذه الفاجعة، لجهة: هل يمكن لشخص بمفرده أن ينفذ ثلاث عمليات إرهابية في وقت لا يتعدى ساعة من الزمن؟، أم كان هناك غطاء له من مسلحين آخرين واكبوه لكنهم لم يظهروا الى العلن؟، وهل من أوقفتهم القوى الأمنية كانوا على علاقة بالارهابي عبد الرحمن مبسوط، أم أن لا علاقة لهم وقد وضعهم حظهم العاثر في ذاك المكان ليطال الظلم مجددا شريحة جديدة من شباب المدينة؟، وهل ما جرى هو من ضمن مخطط جهنمي جديد يتم تحضيره لطرابلس أم أنه عمل فردي يهدف الى الانتقام من القوى الأمنية؟، وكيف لارهابي خطير من هذا النوع خرج قبل فترة من السجن لا يوضع تحت المراقبة الأمنية؟، وكيف سيكون إنعكاس ما جرى على قضية الموقوفين الاسلاميين؟، وهل ستطفئ طرابلس بدمائها نار الخلافات والصراعات السياسية التي كادت أن تهدد بحرب أهلية؟، أم أن التيارات السياسية في واد ما تشهده المناطق اللبنانية ولا سيما طرابلس في واد آخر؟، وهل ستلفت هذه الفاجعة نظر الدولة الى طرابلس فتتخلى عن سياسات الحرمان والاهمال تجاهها؟، أم أن المطلوب من هذه المدينة أن تبقى الخاصرة الرخوة والساحة المفتوحة لتصفية الحسابات السياسية؟.

قدر طرابلس أن تواجه الظلم، وأن تكون شريكة دائما في الغرم، لكنها إنتصرت أمس مع أهلها بالتفافهم حول الجيش وقوى الأمن الداخلي وإحتضانهم ودعمهم ومؤازرتهم في مواجهة الارهاب، كما نجحت القوى الأمنية في وضع حد لتمادي هذا الارهاب بالاقتصاص من القاتل بشكل سريع، وإعادة الأمور الى نصابها في مدينة تتطلع الى تعيش العيد بكل تفاصيله، وكذلك قدمت  نموذجا عن التضحية في سبيل الواجب، فعسى أن تعي الدولة بعد ذلك معنى وقيمة “العسكر” فتكرمهم، بدلا من أن تقضم من رواتبهم.


مواضيع ذات صلة:

  1. الارهاب يضرب في طرابلس.. هكذا إستهدف المسلحون دوريات الأمن والجيش.. غسان ريفي

  2. إثنان وثلاثون عاما على إستشهاده.. رشيد كرامي قضية حية في نفوس اللبنانيين… غسان ريفي

  3. التسوية قائمة.. معركة باسيل ـ المستقبل إنتهت.. لكن الحرب مستمرة… غسان ريفي


 

Post Author: SafirAlChamal