موازنة 2019.. هل تُقرّ اليوم أم تستمر المقامرة بها؟… عبد الكافي الصمد

مثل المقامرة على طريقة اللوتو اللبناني، الذي يعد بالربح إما الإثنين أو الخميس، تبدو جلسات الحكومة لإقرار مشروع الموازنة، بعدما عقدت 17 جلسة لهذه الغاية، وفي كل جلسة يعلن أن الجلسة المقبلة ستكون الأخيرة، لكن عقد الجلسات يتوالى، والمناقشات تستفيض، والجدل العقيم لا ينتهي، ومشروع الموازنة يبقى يدور في حلقة مفرغة.

الجلسة الأخيرة كانت تعبيراً دقيقاً عن هذه الحالة. فما سبقها من إعلان أنها ستكون الأخيرة، وأنها ستشهد قراءة نهائية للموازنة قبل عقد الجلسة الختامية في قصر بعبدا لإقرارها، تبين أنه كلام غير دقيق، لأن عقبات كثيرة ما تزال تعترضها، وأن كباشاً حقيقياً يدور بين وزير المال علي حسن خليل ووزير الخارجية جبران باسيل، تحديداً، حول من تكون له كلمة الفصل في وضع الصيغة النهائية للموازنة.

هذا الكباش كان بدأ فعلياً منذ الجلسة الـ12 للحكومة، عندما فاجأ باسيل الحكومة، برئيسها وأعضائها، بطرحه أفكاراً إصلاحية تتعلق بالموازنة، طالباً مناقشتها والأخذ بها، الأمر الذي جعل الجلسات اللاحقة تغرق مجدّداً في التفاصيل، ودفع وزير المال إلى القول إن الموازنة إنتهت، وردّ باسيل عليه أنها لم تنته.

تأخر إقرار الموازنة بهذا الشكل، وهي التي كانت عادة لا تأخذ أكثر من 4 إلى 5 جلسات من النقاش داخل الحكومات السابقة، جعل وزير المال يرفع الصوت دفاعاً عن صلاحياته، ورفض المسّ بها، وأنه وحده من يحق له تحضير مشروع الموازنة، بينما الآخرين يمكن لهم مناقشة المشروع وطرح أفكار، إنما ليس تقديم مشروع موازنة مواز، وهو ما لا يروق لباسيل، الذي يبدو منتشياً بفائض القوة الذي بات يمتلكه سياسياً، إلى درجة جعلته يعتبر نفسه صاحب الكلمة الأولى والأخيرة داخل مجلس الوزراء، متجاوزاً حتى رئيس الحكومة نفسه، وأن أي مشروع تناقشه الحكومة ينبغي، من وجهة نظره، أن يصبّ في مصلحة العهد، وأن يُدوّن في رصيده السّياسي.

في الجلسة الأخيرة، لم تفلح مساعي التهدئة التي عقدت قبلها، ولا النقاشات التي جرت فيها بإخراج مشروع الموازنة من عنق الزجاجة، ما طيّر المؤتمر الصحافي لرئيس الحكومة سعد الحريري ووزير المال، الذي كان مزمعاً عقده بعدها، وأثار حنق الحريري الذي اضطر إلى رفع الجلسة، وتأجيل عقد أي اجتماع للحكومة لمدة 48 ساعة، على أن تعقد جلسة أخيرة لها اليوم الجمعة في قصر بعبدا لإقرار الموازنة نهائياً، آملاً أن تكون مهلة اليومين مناسبة لتقريب وجهات النظر وحلحلة بعض العقد.

إحتدام النقاش بهذا الشكل الذي جعل مصير مشروع الموازنة محفوفاً بالمخاطر، دفع باسيل أمس إلى التراجع، سواء كان تراجعاً تكتيكياً أم عن اقتناع منه، عندما اعترف أن تكتله يعتبر ″الأكبر في الحكومة، ولكن لا نملك الأكثرية، لا النصف زائداً واحداً ولا الثلثين، لذلك لا يُقرّ كل ما نطرحه، وأكثر ما يمكن القيام به هو عدم الموافقة″، موضحاً أنه ″لست وزير المال، أنا واحد في هذه الحكومة، وأقدم أفكاراً في هذا النقاش المفتوح″، ولافتاً إلى أن ″الذي لم نتمكن من إنجازه، نتركه في مجلس النواب، بدءاً من لجنة المال، ليس لتخريب الموازنة وليس الإنقاص، بل لإضافة وإنجاز الأفضل″.

هل يعني ذلك أن باسيل بتراجعه هذا أعطى الضوء الأخضر لإقرار الموازنة اليوم؟ ساعات قليلة ويتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من مشروع الموازنة؛ إما إقرارها وإما استمرار المقامرة بها؟


مواضيع ذات صلة:

  1. مناقشة الموازنة في الأمتار الأخيرة: هل تُنجز أم تستمر المراوحة؟… عبد الكافي الصمد

  2. تجاذبات الموازنة تتعقد.. والنّقابات تواجه الحكومة في الشّارع… عبد الكافي الصمد

  3. جلسات الحكومة طبخات بحص: أيد خفية لا تريد إنجاز الموازنة… عبد الكافي الصمد


Post Author: SafirAlChamal