مشهدا المنصورية وصيدا: العنف ضدّ محتجّين سلميين غير مبرّر… عبد الكافي الصمد

مشهدان لافتان كانا محور اهتمام سياسي وشعبي وإعلامي واسع خلال الساعات القليلة الماضية، أعطيا انطباعاً أن لجوء السلطة إلى استخدام العنف من أجل معالجة قضايا مطلبية محقة لن يسهم إلا في تعقيد المشاكل المطروحة، وصولاً إلى حدود حصول صدام يخشى أن تكون عواقبه وخيمة إذا استمرت المعالجات بالطريقة والذهنية نفسيهما.

المشهد الأول كان ما حصل في بلدة المنصورية، يوم أمس، عندما لجأت القوى الأمنية إلى استخدام العنف المفرط، في مواجهة الأهالي الذين يعترضون على قيام شركة كهرباء لبنان بمد شبكة خطوط للتوتر العالي في منطقتهم، معتبرين أن ذلك يشكل خطراً على سلامتهم ويهدد صحتهم وصحة أبنائهم.

إعتراض الأهالي على مدّ شبكة التوتر العالي ليست جديدة، فقد شهدت السنوات السابقة تجاذب كبير بين الأهالي والشركة والقوى الأمنية، إختلطت بها الأمور إلى حدّ بعيد، وتداخلت مواقف القوى السياسية مع بعضها بشكل أبقى مشروع مدّ شبكة الخطوط معطلاً.

ومع ذلك، فإن القوى الأمنية بقيت تتعامل مع إحتجاجات الأهالي بشكل لا عنفي، إلى أن طرأ تحوّل غير مفهوم يوم أمس، من خلال قيام العناصر الأمنية باللجوء إلى استخدام العنف الشديد وضرب المحتجين بالعصي وتوجيه اللكمات والركلات إليهم، والتي نال نصيباً منها النائب في حزب الكتائب الياس حنكش، الذي حضر متضامناً مع المعتصمين، الذين افترشوا الأرض في المنطقة رافضين إخلاءها.

أما المشهد الثاني فكان ذاك الذي شهدته مدينة صيدا، فبعدما قام موظفون في مستشفى صيدا الحكومي بالإضراب إحتجاجاً على عدم قبضهم رواتبهم لأشهر سابقة، وهو أمر يشهده أكثر من مستشفى حكومي في لبنان لأسباب كثيرة، كانت المفاجئة أن مدير المستشفى إدّعى على الموظفين لدى أحد مخافر المدينة، متجاوزاً الأصول في التعاطي مع الموظفين المحتجين التي تفرض القوانين معالجة مشاكلهم واعتراضاتهم السلمية إدارياً وليس أمنياً، وقد تجاوب المخفر وعناصره مع خطوة المدير فاستدعوا الموظفين لاستجوابهم، قبل أن يبلغ المشهد ذروته من التشنج عندما منع الضابط المسؤول عن المخفر نائب صيدا أسامة سعد من الدخول إلى المخفر لتفقد أحوال الموظفين الموقوفين.

لكن تعاطي القوى الأمنية مع المحتجين شهد إستنسابية مفضوحة، ففي حين قامت هذه القوى بالتعاطي بعنف مع معترضين على عدم إنصافهم حيال قضايا مطلبية، كانت تغضّ النظر كلياً عن محتجين آخرين نفذوا إضرابات عامة شلت مؤسسات هامة في البلاد، من إضراب موظفي مصرف لبنان إلى اضراب موظفي مرفأ بيروت وعمال شركة كهرباء لبنان وأساتذة وموظفي الجامعة اللبناينة وغيرهم.

هذا التعاطي الذي لا يساوي بين المواطنين ولا يعدل بينهم، ويجري التعاطي معهم على قاعدة أبناء الستّ وأبناء الجارية، جرى التحذير منه على أعلى المستويات، خوفاً من أن يكون مقدمة لانفلات الأوضاع وخروجها عن السيطرة، وفي تحوّل الإحتجاجات السلمية إلى عنفية إذا بقي التعاطي مع المحتجين قائماً على هذا النحو.

أبرز ردود الفعل جاءت أمس من البطريرك الماروني بشارة الراعي، الذي عبر عن استياءه مما حصل في المنصورية، شاجباً ″العنف الحاصل بين القوى الأمنية والأهالي الذين اعترضوا على تنفيذ قرار إداري يعتبرونه مضراً بسلامتهم وبصحتهم وصحة أبنائهم″، وقد اعتبر أن ″ما حصل يخرج عن تقاليدنا اللبنانية وأصول الديمقراطية″، مطالباً ″الجهات الرسمية المعنية بالأمر، وفي طليعتها وزارة الطاقة، بوجوب التهدئة مع الأهالي واحترام هواجسهم المشروعة، والذهاب إلى حلّ يراعي المعايير الدولية اللازمة للسلامة العامة، وبالتالي عدم فرض الأمر بالقوة، بل إما باقناعهم بالإثبات العلمي بعدم وجود ضرر وخطورة، وإما بتحقيق رغبة المعترضين، وفي كلا الحالين يقتضي الأمر الجلوس إلى طاولة نقاش علمي وتقني بهدوء وموضوعية″.

فهل تجد دعوة البطريرك الراعي صدى لدى المسؤولين قبل فوات الأوان؟


مواضيع ذات صلة:

  1. السّلطة والموازنة: اللبناينون ضحيتها الأولى والدّائمة… عبد الكافي الصمد

  2. الضنّية بعد شهر على أزمة النّفايات: مكانك راوح… عبد الكافي الصمد

  3. سدّ بريصا: هل يمنع الكويتيون رمي ملايين دولاراتهم في سدّ مبخوش؟… عبد الكافي الصمد


 

Post Author: SafirAlChamal