موظفو الدولة ينفذون إنقلابا عليها… غسان ريفي

لم يسبق للبنان أن غرق بمثل هذه الفوضى العارمة التي تجتاحه من أقصاه الى أقصاه، عبر التظاهرات والإعتصامات والإحتجاجات والإضرابات، وذلك بفعل إنعدام ثقة المواطنين بدولتهم وفق قاعدة ″من جرب المجرب كان عقله مخربا″، وسعي كل قطاع من القطاعات الرسمية الى الحفاظ على مكتسباته المالية ومنع الحكومة من المسّ بها أو تقليصها، خلال مناقشتها للموازنة التي تقض مضاجع اللبنانيين مما قد تحمله إليهم من أعباء وضرائب ورسوم إضافية في ظل وضع إقتصادي سيء وركود مالي مخيف.

يمكن القول إنه بالتزامن مع دراسة الحكومة لبنود الموازنة، تبدأ القطاعات الرسمية وموظفيها وعمالها تنفيذ إنقلاب على الدولة، فاليوم لا قضاء، ولا مصرف مركزي (ما سيؤدي الى تعطيل حركة المصارف)، ولا مؤسسات مياه وكهرباء وهاتف، ولا تعاونية ولا ضمان، ولا مرافئ ولا مرافق ولا متعاقدين، فيما المتقاعدون من العسكريين والمدنيين يستعدون لتوجيه رسائل أقسى من تسكير الطرقات وإشعال الدواليب وإغلاق بعض مؤسسات الدولة المالية والتجارية لمنع الدولة من مدّ يدها الى رواتبهم ومخصصاتهم، فيما الاتحاد العمالي العام يتحضر لجولة جديدة من التحركات في وجه ما يعتبرة السطو على لقمة العمال والفقراء.

تشير المعطيات الى أن التحركات ستكون تصاعدية، وهي قد تحتل الشوارع والساحات خلال أيام قليلة ما يضع الحكومة في مواجهة حتمية مع أبنائها من موظفي الدولة وقضاتها وعسكرييها وأساتذتها ومتعاقديها ومتقاعديها، وهي ستكون أمام نارين، نار تخفيض عجز الموازنة وإجراء الاصلاحات المفروضة على لبنان لانقاذ ما يمكن إنقاذه، ونار التصدي للشارع والتعاطي مع إنتفاضة الموظفين التي لم يشهد لبنان مثيلا لها منذ الاستقلال.

اللافت أن كل التطمينات التي ساقها وزير المال علي حسن خليل وغيره من الوزراء عن عدم التعرض للرواتب والأجور سواء للموظفين العاملين أو المتقاعدين، لم تجد نفعا، ما يشير الى إتساع الهوة بين الدولة وأبنائها، وأن ثمة أزمة ثقة لم تنجح الحكومة السابقة في إستعادتها، ويبدو أن الحكومة الحالية ما تزال قاصرة عن الوصول إليها رغم كل شعارات الاصلاح، خصوصا أن كثيرا من اللبنانيين لم يلمسوا تبديلا في نهج السلطة التي يسعى كل من أركانها الى تحقيق المكتسبات لفريقه أو لطائفته أو منطقته مستخدما نفوذه السياسي وقدرته على التعطيل، غير آبه بالانهيار الذي يدق الأبواب من كل جانب.

وبما أن مبدأ القوي بقوته″ هو السائد في البلد، فإن هذه القطاعات لم تتوان عن إظهار قوتها وعضلاتها في الشارع وفي إستخدام الضغط بالاضراب والتعطيل لتفرض مطالبها على الحكومة، ولتنقذ نفسها من مقصلة الموازنة التي من المفترض أن يسارع مجلس الوزراء الى إنهاء دراستها وإرسالها الى المجلس النيابي لمناقشتها وإقرارها لتطمين اللبنانيين بأن بنودها لن تطال مداخليهم ولن تفرض عليهم أعباء إضافية كما سبق وأعلن وزير المال، قبل أن تستفحل الأمور وتخرج عن السيطرة، خصوصا أن من يُضرب ويتظاهر ويحتج اليوم هم أصحاب الوظائف والمناصب والرواتب، في حين أن هناك مئات الآلاف من العمال وأصحاب الدخل المحدود والفقراء والمعدمين والعاطلين عن العمل الذين يعانون شتى أنواع الظلم، وهؤلاء إذا أصابتهم لوثة الاحتجاج والتظاهر ونزلوا الى الشارع فإن لبنان سيكون أمام ثورة شعبية حقيقية لا يمكن لأي كان أن يتكهن بنتائجها أو بتداعياتها الكارثية على النظام والسلطة والبلاد والعباد.


مواضيع ذات صلة:

  1. طلال سلمان ضيف الصالون الأدبي: لن نفقد الأمل في عودة طرابلس الى دورها الوطني والقومي… غسان ريفي

  2. بعد سامي زيني مقتل زكريا يوسف صدما.. الى متى سيبقى القتلة يفرّون الى جهات مجهولة؟… غسان ريفي

  3. قاتله لا يزال طليقا.. سامي زيني ضحية الفوضى وإنتهاك القوانين… غسان ريفي


 

Post Author: SafirAlChamal