السّلطة والموازنة: اللبناينون ضحيتها الأولى والدّائمة… عبد الكافي الصمد

ليس معروفاً متى ستنتهي جلسات مجلس الوزراء لإقرار الموازنة العامة، بسبب التجاذب الكبير الذي يدور حولها بين القوى السياسية الرئيسية في البلاد، والتباين في مواقفهم بما يتعلق بالقضايا الأساسية التي يفترض أن تتمحور بنود الموازنة حولها، بالرغم من أن بعضهم أعطى موعداً مبدئياً لإقرار الموازنة نهاية الأسبوع الجاري، على أن تعقد جلسات مجلس الوزراء بشكل يومي لهذه الغاية، بينما فضّل البعض الآخر عدم إعطاء أي موعد.

وإذا كانت المناقشات في الشكل توحي أنها تدور حول كيفية خفض عجز الموازنة وفي عدم إرهاق الخزينة العامة أكثر، والتلويح بما يشبه التهديد بأن الإنهيار حاصل في البلاد في حال لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة وموجعة، فإن المناقشات الحقيقية في مضمونها تذهب في اتجاهات أخرى، مختلفة كليّاً عن ما يدور في الظاهر.

ولعل أبرز دليل على ذلك هو ما أشارت اليه مصادر معنية من أن رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري تمنى على الوزراء أن تبقى مداولات جلسات مجلس الوزراء سرّية، وعدم تسريبها، ما طرح أسئلة ورسم علامات إستفهام كبيرة حول خلفيات طلب الحريري التعتيم على ما يدور داخل جلسات مجلس الوزراء من مناقشات، برغم أن القضايا المطروحة تعني المواطنين كافة بشكل مباشر، وهي ليست مناقشات أمنية أو عسكرية تتضمن أسراراً خطيرة يمكن أن تشكل تهديداً للأمن القومي ووحدة واستقرار البلاد.

وأثارت دعوة الحريري مخاوف في مختلف الأوساط، وخشية من أن يكون طلبه مقدمة لإمرار بنود معينة تصبّ فقط في خانة الطبقة السياسية الحاكمة والنافذين من أصحاب النفوذ السياسي والمالي في لبنان، وليس في مصلحة المواطنين، الذين باتوا يخشون من أن تتضمن الموازنة بنوداً تلحظ فرض ضرائب جديدة عليهم (مثل زيادة تعرفة التيار الكهربائي، وأيضاً رفع سعر صفيحة البنزين 5 آلاف ليرة وورفع الضريبة على القيمة المضافة من 11 إلى 15 في المئة)، تطال فقط الفقراء وذوي الدخل المحدود، وتستثني الأغنياء وأصحاب الثراوت.

ففي هذا المجال برز رفض المصارف رفع الضريبة على الفوائد والودائع من 7 في المئة إلى 10 في المئة، برغم الأرباح الطائلة التي حققتها وتحققها، وسقط أيضاً إقتراح تخفيض رواتب ومخصصات الرؤساء والوزراء والنواب، الحاليين والسابقين، فضلاً عن سقوط إقنراح تسوية المخالفات البحرية وزيادة الرسوم على البضائع المستوردة بنسبة 3 في المئة، ما أعطى إشارة واضحة بأن الموازنة، التي تسعى إلى تخفيض نسبة العجز، لا تريد أبداً إستهداف أو الإقتراب من مصالح الطبقة الحاكمة، السياسية والمالية.

التناقض بين ما يُقال وبين ما يجري التحضير له على الأرض، لم يتوقف عند هذا الحدّ، ففي حين كادت الأموال المخصّصة لطريق القديسين ومرفأ جونية تثير أزمة بين مكوّنات الحكومة، فقد جرى تجاهل مشاريع طرابلس والشمال نهائياً، من مبلغ الـ100 مليون دولار التي خصصت للمدينة أيام حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، ولم تبصر النور ولا أحد يعرف أين أصبحت، ولا المنطقة الإقتصادية الحرّة التي تكاد تفقد أهميتها قبل أن يبدأ العمل بها بعد إقرار مبدئي بإنشاء منطقتين مشابهتين في البترون وصور، ولا مخصصات عاصمة الشمال من مؤتمر ″سيدر″، وهي هزيلة مقارنة بغيرها من المناطق.

كل ذلك شكّل إنطباعاً عند السواد الأعظم من اللبنانيين بأن الموازنة العامة المنتظرة لا تلتفت إلى معيشتهم ومصالحهم، لا من من قريب ولا من بعيد، وأنهم سيكونون ضحيتها الرئيسية كما جرت العادة في كل مرّة.


مواضيع ذات صلة:

  1. بعد مرسوم عائدات البلديات هل يُقدم عون على خطوة تصحيحة جديدة؟… عبد الكافي الصمد

  2. جبق في الضنّية: حضور حزب الله وتجذّر الصمد وإرباك المستقبل… عبد الكافي الصمد

  3. قراءة في انتخابات طرابلس: حقائق ومؤشرات ودلائل… عبد الكافي الصمد


 

Post Author: SafirAlChamal