جبق في الضنّية: حضور حزب الله وتجذّر الصمد وإرباك المستقبل… عبد الكافي الصمد

لم يسبق أن نالت زيارة أي وزير إلى الضنية إهتماماً وسجالاً كالذي نالته زيارة وزير الصحة العامة الدكتور جميل جبق إلى الضنية، نظراً لما سبقها ورافقها وأعقبها من تداعيات ومن ردود فعل على أكثر من مستوى.

نقاط عديدة يمكن التوقف عندها وتحليلها وقراءة أبعادها خلال زيارة جبق للمنطقة، من أبرزها:

أولاً: زيارة جبق للضنية تعدّ الثالثة التي يقوم بها وزير صحة للمنطقة منذ نحو عقدين؛ الأولى قام بها سليمان فرنجية عام 2002 يوم كان وزيراً للصحة ورعى إفتتاح مستشفى سير الضنية الحكومي الحالي؛ والثانية بعد ذلك بسنوات للوزير محمد جواد خليفة، وصولاً إلى زيارة جبق أمس الأول، التي اختلفت عن الزيارتين السابقتين بأنها شملت إلى المستشفى الحكومي مراكز صحية ومستوصفات في المنطقة، وليس زيارة المستشفى فقط كما فعل فرنجية وخليفة.

ثانياً: يُعدّ جبق ثالث وزير يزور الضنية في غضون ستة أشهر تقريباً، مع ملاحظة أنهم وزراء خدمات وسياسة من العيار الثقيل. فبعد زيارة وزير الأشغال العامة والنقل يوسف فنيانوس الضنية في 11 تشرين الثاني 2018، زارها وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل في 24 آذار الماضي، قبل أن يزورها جبق، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ الضنّية السياسي الحديث، ما يعني أن المنطقة أصبحت نقطة جذب سياسي واهتمام رفيع المستوى.

ثالثاً: إستقطبت زيارة جبق الأضواء والإهتمام في الضنية كونها أول زيارة يقوم بها وزير محسوب على حزب الله للمنطقة منذ أكثر من عشر سنوات، وما رافقها من رفع رايات للحزب وصور أمينه العام من قبل مواطنين في بلدة بيت الفقس على السيارات والمنازل والأشجار، ما أثارت إرتباك تيار المستقبل الذي وجد فيها استفزازاً، كون زيارة جبق رسمية وليست حزبية، لكن تعليقات مناصري التيار الازرق قوبلت برفض من معارضيه الذين وجدوا في موقفه تناقضاً صارخاً، لأن أحداً من تيار المستقبل لم يخرج في وقت سابق رافضاً رفع رايات التيار الأزرق أو التيار الوطني الحرّ أو أو الحزب التقدمي الإشتراكي أو القوات اللبنانية وغيرها، يوم زار الضنية سابقاً مسؤولين أو زراء في هذه التيارات والأحزاب السياسية.

رابعاً: ركز تيار المستقبل على رفع رايات حزب الله الصفراء في الضنّية لتحويل الأنظار عن تقصيره وفشله في تقديم الخدمات والمشاريع للمنطقة طيلة قرابة عقد ونصف، حيث تعامل مع أهالي المنطقة بفوقية واستخفاف، ولم يستفزه طيلة هذه الفترة مظاهر الفقر والحرمان والإهمال التي تعاني منها المنطقة، برغم استفراده بتمثيل المنطقة نيابياً على مدى أكثر من 13 عاماً، إلا أنه بدلاً من أن يبادلها بردّ الجميل أدار لها ظهره وكأنها في جيبه، ومستغلاً عاطفة أهلها من أجل تحقيق مصالحه على أنقاض مشاريع تنموية فاشلة أو وهمية.

خامساً: قد يدرك تيار المستقبل باكراً أو متأخراً أن الضنية التي وضع يده عليها نيابياً على مدار 13 عاما، هي منطقة متنوعة سياسياً وطائفياً، وأن لها تاريخاً مشهوداً بدعم القضايا الوطنية والقومية والعروبية الداعمة للقضية الفلسطينية وللمقاومة، وأن إخراجها من جلدها محاولة لن يكتب لها النجاح، وهي بدأت تشهد آخر فصولها، وما كانت الإنتخابات النيابية الأخيرة سوى البداية.

سادساً: إذا كان تيار المستقبل ممتعضاً من زيارة جبق، التي اعتبرها دعماً سياسياً لخصومه في الضنية، فلماذا لا يوجه الدعوات لوزرائه في الحكومة أو وزراء حلفائه القدامى (القوات اللبنانية والحزب الإشتراكي) أو الجدد (التيار الوطني الحر)، لتفقد المنطقة وتقديم مساعدات ومشاريع لها، إذا كان همّه فعلياً كما يدّعي الحرص على المنطقة وأهلها.

سابعاً: غاب تيار المستقبل كليّاً عن استقبال جبق، برغم أن مكتب الأخير قد اتصل بنائب المستقبل سامي فتفت الذي اعتذر لوجوده خارج لبنان، لكنه لم يرسل ممثلاً عنه، برغم أنه يرسل عادة ممثلاً عنه في مناسبات أقل أهمية من زيارة جبق.

ثامناً: وجّه جبق إنتقادات شديدة للتقصير الذي تعانيه المنطقة صحياً، ونالت إدارة المستشفى الحكومي نصيباً وافراً منها، مثل أنه إذا مريض أصيب بنوبة قلبية فإنه سيموت على الطريق، وإذا وصل إلى المستشفى وما يزال حيّاً سيموت فيه، وكيف أن المستشفى منذ 17 عاماً لم نقدر أن نجهزه بغرفة عناية فائقة لنجعل منه مستشفى، وموجّهاً إنتقادات أخرى للإدارة على مسمع من الموظفين الذين حذرتهم إدارة المستشفى المحسوبة على تيار المستقبل من تقديم أي شكوى لجبق، ومنها عدم قبضهم رواتبهم، ما دفع جبق إلى التأكيد أنه لا يقبل إهدار حق أي موظف، وأن أبواب مكتبه مفتوحة للتواصل معه من أجل حلّ أي مشكلة.  

 تاسعاً: أكدت زيارة جبق الحضور السياسي للنائب جهاد الصمد في الضنية، كصاحب حضور شعبي متجذر، تمثل في الإستقبال الشعبي الكبير له في المحطات الخمسة التي كان فيها برفقة جبق، وفي اللقاء الموسع الذي أقامه على شرف ضيفه في بلدة يخعون، بحضور فاعليات المنطقة وحشد غفير من المواطنين.

عاشراً: كان لافتاً زيارة جبق مركز الإيمان الصحي في بلدة سير ومستشفى دار الشفاء في أبي سمراء في ختام جولته، وهما مركزان تابعين للجماعة الإسلامية والوحيدان اللذين زارهما جبق في الشمال خارج زيارته للمستشفيات الحكومية، ما يعكس تقارباً سياسياً بين حزب الله والجماعة الإسلامية تُرجم صحياّ.


مواضيع ذات صلة:

  1. أزمة نفايات الضنّية تتفاعل.. وجهات سياسية تعرقل مكبّ جيرون… عبد الكافي الصمد

  2. المستقبل يعيد جمالي نائبة.. فوزٌ بطعم الخسارة… عبد الكافي الصمد

  3. نزار زكا.. لماذا يتجاهله تيار المستقبل؟… عبد الكافي الصمد


 

Post Author: SafirAlChamal