الحريري في طرابلس دعما لمرشحته.. و″زبدة″ الزيارة السياسية في دارة ميقاتي… غسان ريفي

لا تشبه زيارة الرئيس سعد الحريري الى طرابلس سابقاتها، لا على الصعيد السياسي ولا على المستوى الانتخابي، فالرجل الذي صال وجال في المدينة قبل عشرة أشهر مواجهاً ومحرضاً ومحاولاً إلغاء خصومه، جاءها يوم أمس بصفحات بيضاء، وبتعزيز تفاهمات، وتكريس مصالحات، وبطلب الدعم والمؤازرة لمرشحته للانتخابات النيابية الفرعية على المقعد السني الخامس في الفيحاء ديما جمالي.

ربما بات الحريري يدرك أن زمن الأول قد تحوّل، وأن ما كان يعتمده من سلوك سياسي منذ سنوات، لم يعد يؤتي أكله اليوم، لذلك فقد ظهر بصورة ″نيو سعد الحريري″ الذي بدا منفتحا على جميع الأطراف، ومعترفا بالتنوع والاختلاف ضمن الطائفة، ومحتاجا الى دعم الحلفاء والاصدقاء بعدما فقد بمفرده القدرة على تحريك الشارع الطرابلسي بالاتجاه الذي يريد، خصوصا مع ترشيح ديما جمالي التي بالرغم من كل الجهود التي بذلت لأجلها، بات زعيم المستقبل على يقين بأنها ما تزال تحتاج الى ″رافعات ثقيلة″ لدفع الناس الى التصويت لها، وحثهم على المشاركة في الانتخابات، من دون التأكد من النتيجة التي ستفرزها صناديق الاقتراع.

كما يدرك الحريري أن تياره الأزرق ليس بخير، وأن ضمنه إنتفاضة صامتة على خيارات سياسية وإنتخابية وأزمات مالية مستمرة، وأنه مقصر بحق طرابلس وأهلها الذين باتوا يملكون من الوعي ومن الاحباط ما يجعلهم يديرون ظهرهم لأي إستحقاق، ولأية وعود جديدة يمكن أن يطلقها، خصوصا أن طرابلس برمتها تنتظر تنفيذ الوعود التي أطلقت منذ إنتخابات عام 2009، ولم ينفذ منها شيئا، وهو الأمر الذي تنبه له الحريري، عندما سارع الى تبرئة ساحته بالقول: لقد أمضيت تسعة أشهر في تشكيل الحكومة، وخلال هذه الفترة لم يكن لدي شيئ أقدمه لطرابلس، واعدا بأن الأيام المقبلة ستشهد الكثير من المشاريع التي ستطلقها حكومة الى العمل.

يمكن القول إن زبدة الزيارة السياسية كانت في دارة الرئيس نجيب ميقاتي والتي كانت جامعة لأكثرية أطياف المدينة، علما أن العلاقة الجيدة بين ميقاتي والحريري لم تأت وليدة الانتخابات الفرعية، بل هي إنطلقت منذ الزيارة البروتوكولية التي قام بها الحريري إثر تكليفه بتشكيل الحكومة الى دارة ميقاتي وإعترافه آنذاك بأنه خير من يمثل طرابلس، حيث توافق الرجلان على أمرين إثنين هما: حماية إتفاق الطائف وصلاحيات رئيس الحكومة للحفاظ على التوازنات في البلد، وإطلاق عجلة الانماء في طرابلس.

ساهم سلوك ميقاتي في تعزيز هذه العلاقة وتطويرها من خلال شبكة الأمان التي نسجها مع رؤساء الحكومات حول الحريري على مدار تسعة أشهر من تشكيل الحكومة، ومواجهة التلويح بسحب التكليف منه، ومن ثم إعطاء كتلة الوسط المستقل الثقة لحكومته، وصولا الى قرار ميقاتي بدعم خيار الحريري في الانتخابات الفرعية، وترجمته فعلا على أرض الواقع.

تشير المعلومات الى أن الخلوة التي عقدت بين الرئيسين إثر مأدبة الغداء التي أقامها ميقاتي على شرف الحريري في دارته إتسمت بكثير من الصراحة والوضوح، لا سيما لجهة أنه لم يعد هناك من مكان للوعود في طرابلس، وأن ما تحتاجه المدينة هو سلسلة من الصدمات الايجابية على كل صعيد، فضلا عن تأكيد ميقاتي على الحريري بصرف مبلغ المئة مليون دولار الذي أقرته حكومته للمدينة بمرسوم، وبالاسراع في أقرار قانون العفو ووضع حد لمعاناة أهالي الموقوفين الاسلاميين، والاسراع في تفعيل المرافق الحيوية لطرابلس.

وقد كان لزيارة الحريري لدارة ميقاتي التي إستمرت زهاء ثلاث ساعات، نتائج سياسية واضحة، لجهة أن الحريري لم يعد يستطيع الاستغناء عن ميقاتي سواء في ممارسته السلطة كرئيس للحكومة، أو في طرابلس التي لا يستقيم عمل رئيس الحكومة من دون دعمها ومؤازرتها، وأن شعار النأي بالنفس الذي إبتكره ميقاتي بات نهجا للحريري الذي أكد في أكثر من محطة أننا لن نتخلى عن النأي بالنفس مهما كان الثمن”، فضلا عن إعتراف الحريري الواضح بأنه مع ميقاتي يشكلان تيارين سياسيين لا يمكن لأحد أن يسيطر على الآخر، أو يضمه تحت جناحه، وأن الطموح لرئاسة الحكومة هو أمر مشروع لميقاتي كما للحريري مع إحترام كل منهما لطموح الآخر.

من جهة ثانية شكلت زيارة الحريري الى منزل اللواء أشرف ريفي تكريسا للمصالحة التي جرت بينهما في منزل الرئيس فؤاد السنيورة، وردا لكثير من الاعتبارات والتأكيد من الرجلين على أن الدم ما بيصير ميّ، في حين جاء اللقاء في دارة النائب محمد كبارة للالتزام مجددا على أن مسيرة الحريري مع آل كبارة في الاستحقاقات المقبلة مستمرة مع نجله كريم وهو أثنى على نشاطه الذي سبق في بعض المجالات والده، فضلا عن حرص الحريري على إسترضاء الدكتور مصطفى علوش بزيارة منزله بعد غيمة التوزير ومن ثم الترشيح الى الانتخابات، والتشديد على متانة العلاقة مع محمد الصفدي، والاعتراف بـالمرجعية المستقبلية المتمثلة بالنائب سمير الجسر.

لكن الحريري لم ينقطع في كل محطاته، فضلا عن اللقاء مع ماكينة المستقبل وزيارته الى القلمون عن التجييش بمختلف الوسائل دعما لمرشحته ديما جمالي التي رافقته ووقفت الى جانبه ملتزمة الصمت الانتخابي قبل أن يحين أوانه.. فهل ستثمر جهود الحريري؟.. الجواب بعد إقفال صناديق الاقتراع مساء غد الأحد.


مواضيع ذات صلة:

  1. قبل دخول مرحلة الصمت الانتخابي.. ماذا يقول المرشحون لانتخابات طرابلس؟… غسان ريفي

  2. هل تحرّك زيارة الحريري والسنيورة الى طرابلس السوق الانتخابي؟… غسان ريفي

  3. كلمة ميقاتي للحريري سيترجمها ″العزميون″ في صناديق الاقتراع… غسان ريفي


Post Author: SafirAlChamal