سلوك سياسي غير مسبوق يضرب المؤسسات الدستورية والطائف… غسان ريفي

كثيرة هي الأعراف التي تبتكرها بعض المرجعيات والتيارات السياسية في لبنان، ضاربة من خلالها الدستور والمؤسسات عرض الحائط، وذلك في محاولة واضحة بأن ما لم تستطع تعديله في إتفاق الطائف، يمكن أن تجعله أمرا واقعا بالممارسة، ما يجعل هذه التيارات ″تفتح على حسابها″ وتتصرف بحسب أهوائها ومصالحها من دون حسيب أو رقيب، ما يؤدي الى ضرب هيبة المؤسسات الدستورية وتهديدها في حال إستمر الوضع على ما هو عليه بالتآكل وصولا الى الانهيار.

لا يختلف إثنان على أن مساحة التفاؤل لدى اللبنانيين بعد تشكيل الحكومة ونيلها ثقة المجلس النيابي كانت بالأساس ضئيلة، وقد تُرجم ذلك بالتحركات الشعبية التي حجبت الثقة عن الحكومة، لكن هذه المساحة أخذت تتضاءل أكثر فأكثر بعد الجلسة الأولى لمجلس الوزراء حيث تبين أن الخلافات السياسية إنتقلت الى طاولة مجلس الوزراء، وأن كل فريق جاء بخلفياته وخلافاته لتصفية حساباته مع الآخرين من خلال بعض الملفات الحساسة التي تتيح للتيارات تسجيل النقاط على بعضها البعض.

لكن ما أثار الاستغراب هو فورة الغضب لدى رئيس الجمهورية ميشال عون الذي ضرب يده على الطاولة وأنهى جلسة الحكومة بعد الخلاف الذي حصل مع القوات اللبنانية حول مسألة النازحين وتطبيع العلاقات مع النظام السوري، وهو سلوك إعتبره كثيرون غير دستوري ويمس بصلاحيات رئيس الحكومة سعد الحريري الذي آثر الصمت لكي لا يجر البلاد الى أزمات إضافية (بحسب قيادات من تيار المستقبل) لكن ذلك لا يمنع أن رئيس الجمهورية خرق إتفاق الطائف الذي يقول بأن رئيس الجمهورية عندما يحضر جلسة مجلس الوزراء يترأسها وهو لا يحق له التصويت، وما دون ذلك من جدول أعمال ونقاشات منوط برئيس الحكومة، لكن رئيس الجمهورية صادر كل هذه الأدوار ومنع بعض الوزراء من الادلاء برأيهم بموضوع النزوح، الأمر الذي ترك تململا لديهم، ما يجعل الانظار تتجه الى الجلسة الثانية للحكومة والى كيفية تعاطي رئيس الجمهورية مع الوزراء وكيفية تعاطيهم معه.

واللافت أن بعض التيارات السياسية راحت تهلل لتصرف الرئيس عون بضرب يده على الطاولة وإنهاء جلسة الحكومة، معتبرة أنه هكذا يكون الرئيس القوي، الأمر الذي أدى الى جدل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي بين من يشيد بخطوة رئيس الجمهورية، وبين من يعتبر أن الرئيس القوي ليس من يضرب يده على الطاولة بل هو من يستطيع أن ينقذ البلاد من الأزمات التي تتخبط فيه.

في غضون ذلك أثار قرار حزب الله تجميد نيابة النائب نواف الموسوي بعد السجال الذي حصل بينه وبين كتلة الكتائب اللبنانية في جلسات الثقة، كثيرا من الاستغراب حول قانونية ودستورية هذا القرار، وكيف يمكن لحزب أن يجمد عضوية نائب منتخب من الشعب وهو بالأساس ليس نائبا عن حزبه ولا عن طائفته بل هو نائب الأمة اللبنانية جمعاء، ولا يمكن لأي جهة مهما علا شأنها أن تسحب أو تجمد هذه الوكالة التي أعطاه إياه الشعب؟. وطبعا خرج من يدافع عن قرار الحزب، ويؤكد أن الموسوي ملتزم بتنفيذ العقوبة التي أصدرها حزبه بحقه، فيما إعتبرها البعض الآخر أنها إساءة الى مجلس النواب والى الناخبين، وأنها بدعة سياسية جديدة لا تمت بصلة الى الدستور ولا حتى الى الأعراف.

وأعاد قرار حزب الله بحق الموسوي، فتح ملف الاستقالات المسبقة التي فرضها رئيس تيار لبنان القوي وزير الخارجية جبران باسيل على وزراء التيار الوطني الحر، حيث جدد البعض موقفه الرافض لها، وتأكيده بأنها تشكل إساءة الى رئيس الحكومة أولا والى مجلس النواب المخول وحده إعطاء الثقة للحكومة ووزرائها، أو طرح الثقة بالحكومة كاملة أو بأي وزير.

كل ذلك  يشير الى أن لبنان مقبل على مزيد من الاشتباكات السياسية، ومن ضرب الدستور والمؤسسات، خصوصا أن كثير من التيارات تمعن في إختراع البدع والاعراف التي لا تمت الى وثيقة الوفاق الوطني بصلة، ما يجعل البلد برمته على كف عفريت، بعدما تحول الى حارة كل مين إيدو إلو!..


مواضيع ذات صلة:

  1. مفتاح معركة إنتخابات طرابلس.. في جيب الرئيس ميقاتي… غسان ريفي

  2. ماذا تريد طرابلس من حكومة العهد الأولى؟… غسان ريفي

  3. مثلث سياسي يقبض على السلطة… غسان ريفي


 

Post Author: SafirAlChamal