لغتنا الأم.. العربيةُ الجميلة الساحرة.. بقلم الدكتور مالك خليل

قالوا: لا يُحيط بها إلا نبِي.. فهل تدخل العربية في معجزات الأنبياء !؟.

إن غناها وثراءها وقدرتها على التلوُّن والسبْك والرسم وتظهير الخيال والتموُّج مع خلجات النفس وإدراكات العقل دون وقوفها عند حدود تحصرها، او تعيق قدرتها على النفاذ الى كل المعاني في كل العوالم؛ جعلها لغةً معجزة، وهي معجزة النبي العربي الذي ادّبهُ ربُّه فكان افصح العرب.

وإنها لكذلك لمن خبرها وأتقنها وفهم مغازيها ومراميها وعرف أسرارها، عندها لا يفوته السحر ولا الطرب، حتى ينتشي وينسحر، أليس في البيان سحر!؟( وإنّ من البيان لسحرا).

هي معجزة النبي العربي الذي تحدّى بها فصحاء العرب وحكماءهم؛ فحاروا ونظروا، وما وجدوا الى ذلك التحدي سبيلا يقف أمام المعجزة: (وإنْ كنتم في ريْبٍ ممّا نزّلنا على عبدِنا فأتوا بسورةٍ مِن مثله، وادْعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين).

ثم هي لغة قديمة عريقة أعطتْ وأخذت وتكاملت ونضجت عبر قرون طويلة حتى وجدناها يانعة في فترة الشعر الجاهلي الذي قُدّر بمئتي سنة قبل الإسلام.

إن من يقرأ القرآن بتؤدةٍ وتمعن ووعي وفهم، يجد متعةً بالغة فيما يقرأ من الأسلوب والمضمون، ولا يغيب على القارئ الصادق نبع الحكمة وسطوة الكلمة وقوة السبك في القرآن الكريم. اقرأ هذا في قوله تعالى:(والنجم اذا هوى، ماضلّ صاحبكم وما غوى، وما ينطق عن الهوى، إنْ هو إلا وحْيٌ يوحى).

وهذا القول الصارم الذي يوحي بالعزيمة والقدرة والنفاذ يُعبَّر عنه بكلمات ذاتِ شأنٍ عظيم، قوله تعالى: (يومَ نطْوي السماءَ كطيِّ السجِلِّ للكُتُبِ، كما بدأْنا أوّل خلْقٍ نُعيده، وعْداً علينا إنّا كنّا فاعلين). فالتعبير يشعرك بالحسم في أمرٍ كونيٍّ هائل، يسكت أمامه كل متردد: (وعدا علينا إنّا كنّا فاعلين) .

والتعبير ب (كنّا ) الماضي لما سيحصل في المستقبل، يُفهِم تحقق الوقوع مع الإيحاء بعظمة القدرة لعظمة الحدث. وعلماء الفلك المعاصرين يقولون: إننا حقا سائرون إلى ذلك.

واللغة للعارف بها ترينا حرارة العاطفة، وشدة الحسرة والنقمة المتفجرة داخله؛ اقرأ كلام نزار المفجوع معبرا بلغته الأم عما به :

سأقول في التحقيق :

أني أعرِف الأسماءَ والأشياءَ

والشهداء والفقراء

وأعرف المستضعفين .

وأقول أني أعرف السيّاف قاتل زوجتي، ووجوهَ كلِّ المُخْبرين .

وأقول: أنّ عفافَنا عُهْرٌ

وأنّ تقوانا خُرافة .

وأقول: أنّ نضالنا كذِبٌ

وأنْ لا فرقَ

مابين السياسة والدَّعارة .

ويستطيع المحب الولهان التعبير عن الجوى واللهفة تمثّلها اللغة حية شاهدة، هذا ابن زريق البغدادي الذي فارق حبيبته رغما عنه، يذكر مابه في قصيدة طويلة، منها:

لا تعْذُليهِ فإن العذْلَ يولِعُه

قد قلت حقاً لكنْ ليس يسمعُه.

فاستعملي الرِّفْقَ في تأنيبه

بدلا من عُنْفه فإنه مُضْنَى القلبِ موجَعه.

ودّعتُه وبودّي لو يودعني

صفْوُ الحياةِ وأنّي لا أودّعه.

كم تشبّثَ بي يوم الرحيل ضُحىً

وأدمعي مستَهِلات وأدمعه..

وللحديث بقية (..)

 

Post Author: SafirAlChamal