أنفاق رأس الشقعة ذكريات عثمانية ـ إنكليزية.. لا يمحوها الزمن… لميا شديد

من يستعيد تاريخ المواصلات في منطقة البترون، وفي ظل المعاناة التي يعيشها المواطنون الشماليون بفعل الانهيارات التي اصابت الطرق ومسلكي الاوتوستراد، يدرك أن  أهالي المنطقة كانوا يحظون بتسهيلات التنقل خلافا لما نشهده اليوم خصوصا أن هناك 3 أنفاق قديمة ومنسية في منطقة جبل الشقعة في حامات كانت تربط المناطق اللبنانية ببعضها وتربط لبنان بالدول المجاورة.

في العام 1909 في عهد المتصرفية، بنى العثمانيون نفقا عرف بنفق الشقعة القديم كان ممرا اساسيا للخيول والعربات العثمانية في تلك المرحلة وكان يفصل شمال لبنان عن جنوبه. هذا المعلم موجود الى غرب نفق الشقعة القديم  وهو يقع على الطريق البحري الدولي القديم تحت حامات بين الهري وسلعاتا.

في حزيران 1942 تمكن الانكليز من السيطرة على لبنان وسوريا الذين كانا تحت الانتداب الفرنسي الموالي لإلمانيا النازية في ايام المفوض السامي العسكري الفرنسي Henri Dentz ومدوا خط سكك الحديد لوصل فلسطين التي كانت  تحت الانتدابين الفرنسي والانكليزي على طول الساحل اللبناني وصولا الى سوريا. وهذه السكة كانت تمر بنفق طوله حوالى 2 كلم. وهذه السكة عرفها البترونيون وشهدوا حركة قطاراتها التي كانوا ينتظرونها في محطة البترون لغاية اوائل السبعينيات  وهذه السكة تعرضت للتعديات من قبل اصحاب المنتجعات والعقارات المحاذية فتم تعبيد أقسام منها على امتداد الساحل اللبناني.

وفي سنة 1942 جرى قطع السكة في اقصى الجنوب اللبناني على الساحل بسبب المقاطعة العربية لاسرائيل وفي الوقت نفسه شق الانكليز الطريق الساحلي ووسعوها وحفروا نفق السيارات الموجود تحت كنيسة مار سمعان في حامات.

ويشير الباحث في التاريخ والآثار جوزيف مرشاق أنه ″خوفا من تعرض سكة الحديد التي أنشئت والطريق الساحلي والنفق، شق الانكليز طريقا سمي بـ “طريق الـ 100 يوم” تربط الطريق الساحلي عبر حامات بالجهة الشرقية من البلدة وهذا الطريق يتم اعتماده في ايامنا الحالية عند حصول اي طارىء او حادث يؤدي الى اقفال الاوتوستراد الجديد. مع الاشارة الى ان القسم الشرقي من بلدة حامات يحتضن محلة تسمى ″بواب الهوا″ يوجد فيها نصب تذكاري انكليزي بحاجة للترميم كتبت عليه اسماء كل الفرق العسكرية التابعة للانكليز ودول الكومنويلث.″

ويشرح مرشاق أن ″مشروع  سكة الحديد الذي أنشيء تحت النفق العثماني يمر فرق مغارة المسقط الغنية بمياه الينابيع الحلوة وهذا المشروع هو جزء من مسار القطار الذي كان ينقل  رجالا من الجيش البريطاني  وجيوش دول الكومنولث مع المعدات العسكرية والبضائع والمواد الغذائية بالاضافة الى مواد البناء الاولية. وكان للقطار محطة في مدينة البترون وفي بلدة الهري وبقي في الخدمة حتى بداية الحرب اللبنانية. وفي التسعينات جرت محاولات عدة لإعادة تشغيله الا أن ذلك هو عملية شبه مستحيلة بسبب التعدي على السكة وأعمال البناء والتزفيت التي اجتاحتها.″

وتجدر الاشارة الى أن القطارات كانت تعمل على البخار ومن ثم تم تطويرها وأصبحت على المازوت وكان البترونيون يسافرون الى الدول المجاورة عبر تركيا وسوريا ومنها الى اوروبا مثل إلمانيا بواسطة الاوتوماتريس كما كان يسمى. ويتذكر مرشاق جيدا ″عندما سافر والدي المرحوم طانيوس واخي عاطف وجرجي فيليب الزعني الى إلمانيا في القطار المذكور مؤكدا أن “نفق القطار هو من معالم لبنان الاثرية والتاريخية وهو النفق الوحيد لسكة الحديد في لبنان ويستحق  تسليط الضوء عليه.″

ويروي ضومط ملكان من مواليد بلدة إده البترونية في العام 1926: ″عملت مع الانكليز في إنشاء سكة الحديد وبناء النفق وكنا كثرا من منطقة البترون عملنا لأكثر من سنتين في المشروع وكنا نتقاضى نصف ليرة للصغار وليرة للكبار يوميا وفي احد الايام ألبسني والدي سروالا وذهبت الى الورشة وقبضت يومها ليرة في اليوم بدلا من نصف ليرة الا ان احد المسؤولين عن الورشة انتبه الي وسألني″ ألست الولد الذي كان هنا قبل ايام فنكرت ومرت القصة وتقاضيت ليرة. كنا نحضر في الصباح الباكر سيرا على الاقدام الى الساحل ومن هناك كان الجيش الانكليزي يتولى تأمين وصولنا بآلياته الى الورشة. ذكريات كثيرة نحملها في بالنا عن تلك المرحلة ولا يمكن ان ننساها.″

رئيس بلدية حامات عيسى عيسى لفت الى أن “بين حامات والانفاق التاريخية بصمة لا يمحوها الزمن لا سيما وأن أبناء البلدة كانوا يعملون في مشاريع بناء هذه الانفاق مع الجيش الانكليزي الى جانب عدد كبير من ابناء قرى منطقة البترون المجاورة من وجه الحجر وسلعاتا والهري وغيرها وكانت المعاشات تدفع بالقرش. اليوم هناك نفق واحد مفتوح ويستعمل وهناك نفقان مهجوران يشكلان محطة مهمة للسياحة البيئية في المنطقة.”

ولفت عيسى الى ″اهمية وجود هذه الانفاق خصوصا لجهة الحاجة اليها لما توفره على المواطن من مشقات الانتقال وكسبا للوقت والراحة في التنقل خصوصا في ظل الازمة التي نعيشها منذ اكثر من شهر بسبب الانهيارات التي اصابت جبل مار الياس المحاذي للاتوستراد الجديد. ولو كانت هذه الانفاق تعمل اليوم وخصوصا نفق القطار لكان شكل بديلا للمسلك الشرقي للاوتوستراد وخفف الكثير من المعاناة.″


مواضيع ذات صلة:

  1. طريق شكا ـ بيروت.. معاناة جديدة تنتظر جهود الدولة… لميا شديد

  2. معركة في البترون بين النحالين وبين جناة القصعين.. وتدخل رسمي… لميا شديد

  3. هكذا حصلت الانهيارات على أوتوستراد نفق شكا.. وهذه هي الاجراءات… لميا شديد


 

Post Author: SafirAlChamal