غسان الأشقر.. قراءة متواضعة في مسيرة قائد كبير (جزء 2)… بقلم: كامل منصور

وفي آخر انتخابات  شارك فيها  في العام 2005 ، بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري تغيرت الحالة الشعبية واشتد عصب المذهبية في عكار وكل لبنان. وقتها وصف الانتخابات بهيجان طائفي لا مثيل له. فقد ابتعد مقربون كثر من ابناء عكار عن مناصرة الدكتور غسان وقال حينه ، “عندما تشتد الازمة الطائفية والمذهبية يخاف الشعب من المجهول فتراه يقف بشكل مرصوص وراء الطائفة دون ادراك ماذا يدور حوله”. وفي احد الاجتماعات الحزبية العامة، اكد غسان الاشقر ان “هذه المرحلة صعبة نتيجة حجم المؤامرة الكبيرة على لبنان والمنطقة وسنتخطاها بفعل اصرارنا على مواجهة المؤامرة الاميركية الاسرائيلية بشتى الوسائل. فقناعتي ان سوريا لن تتجرأ على اغتيال رجل بحجم الحريري فهذه مؤامرة تطال مجمل الوضع العربي”. وبقي مقتنعا في هذا التحليل ولم يبدل رايه فيه .

وبقيت النقاشات في الحزب حول هذا الموضوع فترة طويلة وغسان لم يقتنع بوجهة نظر أخرى فكان يستشف رائحة مؤامرة كبيرة على المنطقة الى ان اتى الاجتياح الاسرائيلي للبنان في العام 2006 وكان وقتها يشغل منصب رئيس جمعية النجدة الشعبية في لبنان. وبدأت حالات النزوح الى عكار ومختلف المناطق وفي تلك الفترة لعبت النجدة الشعبية دورا كبيرا من الجنوب الى عكار في اغاثة الجرحى والنازحين واذكر كيف اعطى توجيهاته لفرع النجدة في عكار بجلب الدواء والمواد الغذائية عبر اولاد شقيقته في سوريا. فذهبت انا وكارولين زوجة الدكتور غسان الى الحدود لملاقاة دفعة من الادوية كان الدكتور سرحان الاشقر رحمه الله  قد جند الاطباء السوريين لجمعها وارسالها الى لبنان عبر معبر وادي خالد. وبالاضافة للادوية، المواد الغذائية والفرش. وهكذا جلبنا المساعدات على عدة دفعات ونسقنا مع بلدية حلبا لتوزيعها على النازحين من الجنوب. واذكر وقتها ان 667 نازحا لبنانيا من الجنوب قد حصلوا على الطبابة والدواء من مركز النجدة في حلبا ، منذ بداية الاجتياح حتى انتهائه. وكل ذلك كان باشراف الدكتور غسان وقيادة الفرع في عكار.

تأثر الدكتور غسان كثيرا بوفاة الرفيق مهدي خليل عضو المكتب السياسي في الحزب، وقال حينها سيترك فراغا كبيرا لن يعوض بعشرات السنين. كان مهدي قائدا يتمتع بمواصفات القيادة يحبه ويحترمه جميع الرفاق حتى الذين اختلفوا معه في السياسة. وكان الرفيق غسان يعول عليه كثيرا في قيادة الحزب وفي عكار من حيث صفاء رؤيته السياسية وسلاسة تعاطيه مع الناس والرفاق على حد سواء.

وجميعنا يتذكر مهرجان ذكرى الاسبوع للراحل مهدي في ثانوية عكار العتيقة، عندما هاجمت مجموعة من الاصوليين المهرجان برشق الحجارة بهدف الغائه وتفشيله، وكان حاضرا الامين العام والدكتور غسان وشخصيات سياسية من مختلف الاطياف العكارية. وقتها قال الدكتور غسان يبدو ان الاصولية بدأت تتمدد في عكار، وهذا اول الغيث.

ونتيجة احتدام الحالة المذهبية والطائفية  قرر الحزب عدم المشاركة ترشيحا في انتخابات 2009 والتي جرت على قانون الستين. وعبر الحزب في مواقف متتالية عن حالة العجز الذي وصلت اليه الطبقة السياسية في تعاطيها مع الانتخابات ومختلف الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

بدأت الاوضاع في عكار تزداد سوءا مع بداية الربيع العربي في تونس ومصر من حيث تحركات فصائل عسكرية ميليشياوية يقودها خالد الضاهر وقد برزت بعد احداث حلبا والهجوم على مركز الحزب السوري القومي الاجتماعي . وقتها حزن الدكتور غسان حزنا شديدا على استشهاد ابن صديقه حبيب سليمان ابن حلبا ، وعلى المجزرة التي حصلت وعبّر في عدة مناسبات ان “القوى الظلامية تتمدد لتصبح قوة لا تردعها اجهزة الدولة الامنية وعزا ذلك لهشاشة السلطة السياسية والتحاصص الطائفي فزعماء الطوائف لا يجيدون سوى افتعال الاحداث ذات الطابع الطائفي للحفاظ على مواقعهم .فكيف سيبنون بلد”.

اما تحليله لظاهرة الثورات العربية لم يكن منسجما مع تحليل الحزب او مع بعض قادته. فكان يقول “نعم هناك ازمات اقتصادية في هذه البلدان لكن القوى الاساسية التي تتصدر المشهد تتمثل بـ  (الاخوان المسلمين) فلا تدل ان هذه الثورات ستصل الى بناء انظمة ديمقراطية، كما في مصر ايضا حركة النهضة في تونس. ويضيف في تحليله بالقول ان الثورات لها ظروف موضوعية وذاتية كي تتحق فلا الظروف الذاتية عند القوى اليسارية والديمقراطية جاهزة ولا الظروف الموضوعية مكتملة فكيف سنسميها ثورة. انها حراكات يقودها الاخوان المسلمون ولا نعرف الى اين ستصل لذلك لن استعجل في الاستنتاج”.

وفعلا لم يستعجل الاستنتاج الى ان سقط نظام القذافي وهنا سأل الدكتور غسان “كيف سنعتبرها ثورات ونرى الحلف الاطلسي يقصف ليبيا ويسقط القذافي، انه تدخل فاضح ويجب على القوى اليسارية استنكاره ومواجهته”.

بقي الدكتور غسان على هذه القناعة ولم يبدل تبديلا رغم النقاشات والتحليلات الى ان بدأت التحركات في سوريا . ففي مطلع الاحداث السورية قال: “صحيح هناك ازمة اقتصادية في سوريا نشأت بعد الاتفاقات الاقتصادية مع تركيا ونتيجة هذه الاتفاقات اصبحت الصناعات الصغيرة في الريف السوري في ازمة كبيرة كما الزراعة ايضا وهذا يؤسس لحالة اعتراض لكنه لا يؤسس لثورة كما يسوق لها الاعلام الغربي والعربي”. ويعود هنا في تحليله ويسأل من “هي القوى التي تقود هذه الثورة فالحراكات الشعبية لا تشكل ثورة؟. اين العوامل الموضوعية هل هي ناجزة؟ والعوامل الذاتية كيف تكونت ومن هم قادة الثورة؟” الخ …. هكذا كان يسأل ويناقش حتى تبين فيما بعد حجم الهجوم العربي والغربي وتدفق المقاتلين من لبنان وكافة دول العالم الى سوريا، وظهرت جبهة النصرة ومن ثم داعش وتبين حجم الاجرام والتدمير وسرقة المصانع في حلب الى تركيا كل هذا جعل الدكتور غسان يصل الى قناعة قالها قبل سنوات انه “فعلا هذا مخطط جديد تقوده الولايات المتحدة مع حلفائها لتدمير وتفتيت المنطقة الى كانتونات طائفية ومذهبية من اجل الهيمنة على ثرواتها وحماية الكيان الصهيوني”.

داهمه المرض ولم يعد يتابع لكنه كان يسأل دائما عن الاوضاع فرغم مرضه كان ذهنه حاضرا وذاكرته حاضرة .

غسان الاشقر خسارة لن تعوض فقد قام بكل واجباته الانسانية والنضالية طيلة مسيرته المضيئة لم يتأخر عن مهمة حزبية او سياسية وبقينا نأتي اليه ليقرأ لنا التخطيط وهو طريح الفراش فكان يطببنا ولم يستطع تطبيب نفسه. ضحى واعطى الكثير من صحته وعمره من اجل الانسان. من اجل عكار، من اجل وطن حرّ وشعب سعيد. نم قرير العين يا غسان فنحن على خطاك سائرون.


مواضيع ذات صلة:

Post Author: SafirAlChamal