السلطة السياسية تُضيّع فرصة الإستفادة من مرفأ طرابلس… عبد الكافي الصمد

قبل قرابة 17 عاماً، وضع الرئيس نجيب ميقاتي، عندما كان وزيراً للاشغال العامّة والنقل، حجر الأساس للمشروع اللبناني ـ السوري المشترك لتأهيل خط سكك الحديد طرابلس ـ العريضة، بتاريخ 17 نيسان 2002 في المحطة التاريخية المهملة التي أنشئت عام 1911 والكائنة في الميناء، باحتفال خاص، إلا أن ذلك المشروع جرى تعطيله، وبقي مجرد لوحة رخام غطّاها الغبار، ولم يبصر النور أو حتى ان يباشر العمل فيه.

كانت الغاية يومها من وضع حجر الأساس للمشروع المذكور ليس إحياءه فقط، إنما جعله شرياناً حيوياً، على الصعيد الإقتصادي خصوصاً، يربط بين المرفأ ومحيطه وصولاً إلى حدود لبنان الشمالية، ويؤمّن نقل البضائع والركاب بين المرفأ والمناطق الشمالية وسوريا، ومنها إلى دول الجوار العربي وتركيا وأوروبا.

لكن البطء في تنفيذ المشروع، ومن ثم اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، جعل النسيان يطوي المشروع، خصوصاً بعد استفحال العداء لسوريا من قبل فريق 14 آذار، لأنه كيف يمكن لمشروع هام بين بلدين أن يرى النور إذا كان أحدهما، أو قسم أساسي منه شريك في السلطة، ينظر إلى البلد الآخر على أنه “عدوه”، متجاوزاً كل علاقات الجوار التاريخي والجغرافي وترابط المصالح بينهما؟.

غير أن الزمن والمصالح كانا كفيلان بإدخال تغيير على تفكير ومواقف وعمل الفريق اللبناني “المعادي” لسوريا، إنطلاقاً من عاملين، الأول التطوّر الكبير الذي شهده مرفأ طرابلس بعدما جرى تعميق حوضه، ما جعله قادراً على استقبال البواخر الضخمة، وتجهيزه بالمعدات الهامة التي أسهمت في تطويره وزيادة ملحوظة على نشاطه، والمشاريع الهامة التي نفذت وتنفذ فيه، مثل المنطقة الإقتصادية الخاصة، وزيادة عدد إهراءاته ومساحاته القادرة على استقبال مئات الحاويات التي تفرغها البواخر فيه يومياً.

أما العامل الثاني فهو مرتبط بشكل أو بآخر بالعامل الأول، وهو ملف إعادة إعمار سوريا، والحديث عن أن مرفأ طرابلس سيكون “منصّة أساسية لإعادة إعمار سوريا”، وهذه العبارة ردّدها الرئيس سعد الحريري أكثر من مرّة، وأن شركات عدّة عربية وأجنبية ستعتمد المرفأ لهذه الغاية، نظراً لقربه من الداخل السوري، وسهولة الوصول منه إلى المناطق السورية المعنية بإعادة الإعمار، ما جعل كثيرين ممّن يعادون سوريا يعيدون حساباتهم على أمل أن ينالوا حصّة من “كعكة” إعادة الإعمار.

إلا أن الجميع تناسى أن الآمال وحدها لا تكفي، وأن مرفأ طرابلس لوحده لا يمكن التعويل عليه لاستفادة لبنان من ورشة إعادة إعمار سوريا، وأنه لا يمكن الإستفادة منه عملياً من دون إنجاز شبكة طرقات ومواصلات برّية وحديدية، تربط بين المرفأ والحدود السورية، لأنه كيف سيمكن نقل ووصول المعدات والبضائع من المرفأ إلى سوريا، في ظل شبكة طرقات داخلية بائسة، وعدم التقدم خطوة واحدة بما يتعلق بمشروع خط سكك حديد طرابلس ـ العريضة، منذ أن وضع ميقاتي حجر الأساس له قبل 17 عاماً..

ولأن الزمن لا ينتظر أحداً، خصوصاً المتقاعسين منهم، ولأن هكذا مشاريع تحتاج إلى سلطة تمتلك رؤية إستراتيجية بعيدة المدى غير متوافرة للأسف لدى أهل السلطة في لبنان، فقد أُعلن في 14 آب 2018 عن البدء بتنفيذ خط سكة حديد يربط بين سوريا وإيران، تبعه إعلان إيران في 12 تشرين الثاني الماضي عن البدء بتنفيذ خط سكة حديد يربط بين مدينة الشلامجة جنوب إيران ومدينة البصرة جنوب العراق، ومنها إلى سوريا، حيث سينقسم الخط داخل سوريا إلى خطين: الأول يتجه إلى مرفأ مدينة اللاذقية، والثاني إلى مرفأ مدينة طرطوس، للإستفادة من الخط والمرفأين في مجالات التجارة ونقل البضائع وإعادة إعمار سوريا، وربط الخط الحديدي المذكور بالخط الذي يربط إيران بالصين، ضمن مشروع “طريق الحرير” الشهير.

كل ذلك يحصل حولنا، بينما أهل السلطة في لبنان مشغولون بصراعاتهم التافهة ومصالحهم الضيقة، وباختلافهم على كلّ شيء حتى على جنس الملائكة.


مواضيع ذات صلة:

  1. عكّار والضنّية والمنية وبشري: أبناء الجارية لا يدخلون الحكومة(؟!)…عبد الكافي الصمد

  2. حكومة الحريري الثلاثينية: ملاحظات شمالية… عبد الكافي الصمد

  3. التشكيلة الحكومية: رابحون وخاسرون… عبد الكافي الصمد


 

Post Author: SafirAlChamal