غسان الأشقر.. قراءة متواضعة في مسيرة قائد كبير (جزء 1)… بقلم: كامل منصور

مهما تكلمنا عن الدكتور غسان الاشقر لن نوفيه حقه في عطائه وانسانيته ومحبته للناس المظلومين والفقراء ومحدودي الدخل. فقد كان دائما حليفا شرسا لكل هؤلاء وفي مختلف مراحل حياته. فمبادئه كانت تمنعه من التهاون في الدفاع عن مصالح الفقراء وعامة الشعب، كيف لا وهو ابن الحزب الشيوعي اللبناني وتربى في بيت شيوعي وخطا خطواته الاولى مع اخيه فريد الاشقر الذي قاد ثورة الرغيف ابان الانتداب الفرنسي.. كيف لا وهو الذي جال في مناطق البؤس في عكار مناضلا حاملا لواء الدفاع عن مصالح العمال والفلاحين محرضا على سلطة الفساد والنظام الطائفي التحاصصي.. وهو الذي اطلق على هذا النظام اسم ” نظام المزرعة الطائفية” الذي يعتبر الشعب اغناما لديه. انه ابن الشعب ابن حلبا التي احبته وطبيب الفقراء كما أهلها سموه.

لم يكن يوما مسؤول الحزب في عكار، بل كان قائدا يقتدي الناس بكلامه ومعاملته وانسانيته، كانت لكلمته صدى كبير في عقول ونفوس الناس، هو الذي كان يزورهم في بيوتهم ويسهر معهم سهرات الشتاء، يطبب ابناءهم ويسهر على مرضاهم، يحرضهم على الثورة والعنفوان، يعلمهم سبل المواجهة السياسية، يدربهم على النفس الطويل في مقارعة بقايا الاقطاع والوقوف بوجه التسلط لإحقاق العدالة الاجتماعية. هكذا كان منذ ان عرفته عكار واصبح قائدا جماهيريا من غير تملق ولا مجاملات.

لن اتكلم عن دوره في تأسيس مجمع الشفاء الطبي ولا عن دوره في تأسيس جمعية النجدة الشعبية اللبنانية في عكار، فالقريبون منه يعلمون والبعيدون سمعوا عن مآثره الاجتماعية. بل سأذهب في الكلام عن دوره السياسي الرائد منذ الحرب الاهلية أثناءها وبعدها محاولا القاء الضوء على دوره كرجل من رجالات السياسة في الحزب وفي عكار وعلى المستوى الوطني بشكل عام .

كان عضوا مشاكسا في الحزب، ( بالمعنى الايجابي للكلمة) يناقش ويجادل في مسائل التنظيم والنضال السياسي ، ويطرح افكاره بجرأة الواثق العالم بالحس الشعبي الذي كان يقرأه في كل زيارة او مهمة مع الناس ليخلص في مقولته الشهيرة، اذهبوا الى الناس  كي تتعرفوا على معاناتهم فالنضال من بعيد لا يبني حزبًا ولا وطنًا. شاركوا الناس همومهم، كونوا معهم في اعمالهم ابحثوا عن مطالبهم ساعدوا الفقراء في الطبابة والصحة وتحصيل لقمة العيش، بهذا تستطيعون الاقتراب منهم وتثقيفهم ومن ثم تحريضهم على المطالبة بحقوقهم، لا تتركوهم عرضة للرشوة والسير وراء الزعماء الذين يأخذون منهم أصواتهم ولا يقدمون لهم شيئا.

هكذا كانت قناعات غسان الاشقر ومارسها طوال حياته وعمل داخل الحزب ليكرسها قاعدة سياسية للممارسة الجماهيرية في تبني قضايا الناس والدفاع عنها في كل مناسبة. وبقي على هذه القناعة رغم جشع المتنفذين من الطبقة السياسية الحاكمة الذين اغرقوا البلاد باموالهم كي يشتروا بها أصوات الناخبين لكنه اصر على الرهان ان هؤلاء لا يمكن مواجهتهم الا بتشكيل وعي جماهيري طبقي عند الناس، حينها لا تعود تنفع رشوة.

كان على يقين في مطلع الحرب الاهلية أن حلبا لن تحدث فيها فتنة طائفية بفضل وعي ابنائها وتماسكهم وراح يجول في عكار ليمنع الهجومات على القرى المسيحية لكنه فشل بفعل حجم المؤامرة الكبير، وعندما هُجِرَت قرية تلعباس اعتكف عن العمل السياسي وغادر البلاد لمدة سنتين تقريبا بشكل قسري ولظروف أمنية.

عاد غسان الاشقر للعمل السياسي وشارك في اول انتخابات نيابية بعد انتهاء الحرب الاهلية وإبرام اتفاق الطائف في العام 1992 ووقتها جرى نقاش حاد في الحزب حول خيار الدخول بلائحة او الترشح بشكل مستقل وكان رأيه باصرار تشكيل لائحة على مستوى محافظة الشمال ونجح هذا الخيار في الحزب وخاض المعركة الانتخابية وكان ناجحا وأسقط في ليلة ظلماء. وكان قد حصل على نسبة مرتفعة من الاصوات. ولا ننسى له وقفته الشجاعة في الانتخابات الفرعية سنة 94 عندما تدخلت المخابرات السورية وحاولت سحب جميع المرشحين لصالح كريم الراسي ومنهم غسان الاشقر فأرسل لهم رسالة لن ننسحب والشعب سيقرر في الصناديق. حينها بدأت حملة اعتقالات في حلبا طالت العديد من مناصريه غير الحزبيين وفي عدة قرى عكارية للضغط على الجمهور العكاري وترهيبه لمنعه من انتخاب غسان الاشقر. ولن ننسى ايضا التدخل السياسي اللبناني عبر مختلف الزعامات السياسية في لبنان حتى وليد جنبلاط أعطى توجيهاته لانتخاب كريم الراسي.

لم يكن غسان الاشقر معاديا للدور السوري كما الحزب تماما، لكنه كان على خلاف دائم مع المعنيين والامنيين حول طريقة تعاطيهم مع الملف اللبناني. كان عروبيا حتى آخر لحظة في حياته يؤمن ان فلسطين هي البوصلة والقضية الاساس وقد اختلف مع عدة فصائل فلسطينية ابان الحرب الاهلية حول طريقة تعاطيها ايضا في الشؤون اللبنانية رغم وجود تحالف بينها وبين الحزب في تلك الفترة. كان يقرن القول بالفعل في كل ممارسته السياسية. وفي انتخابات الـ 96، قرر الحزب خوضها بلائحة مستقلة في مواجهة لوائح السلطة وكان غسان الاشقر جاهزا ويومها قال له أحد المرشحين يجب علينا زيارة غازي كنعان فقال له من دون تردد اذهب وحدك فانا لا اريد دعما من الوصاية السورية.

كان يقول دائما للشيوعيين وللجمهور العكاري، ان معركتنا مع هذه الطبقة السياسية لن تنتهي بجولة او عدة جولات فالمعركة طويلة واذا تراجعنا نكون قد انهينا دورنا بيدنا، من هنا لا بد لنا العمل على النفس الطويل فخسارة جولة انتخابية لا تعتبر خسارة سياسية بل خطوة في هدم جدار هذه الطبقة السياسية العفنة..

Post Author: SafirAlChamal