التشكيلة الحكومية: رابحون وخاسرون… عبد الكافي الصمد

.. وأخيراً أبصرت الحكومة النور بعد مرور 252 يوماً على تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة تأليفها في 24 أيار الماضي، وخرج الدخان الأبيض من قصر بعبدا، مساء يوم أمس، إيذاناً بولادتها، ووضع حدّ لمرحلة طويلة من السجال والتجاذب وتبادل التهم بين القوى السياسية، التي كان كل منها يحمّل أطرافاً أخرى مسؤولية العرقلة ووضع العصي في درب التأليف، واختلاق العقد.

وإذا كانت أسئلة كثيرة ستطرح بجدّيّة عن الأسباب التي دفعت إلى ولادة الحكومة بعد كل هذا التأخير، وحلّ العقد التي اعترضتها، برغم أنه منذ اليوم الأول للتأليف صدرت دعوات لتشكيل حكومة تُعبّر عن موازين القوى السياسية الجديدة في المجلس النيابي الذي انتخب في 6 أيار 2018، لم تجد آذاناً صاغية، إلى أن تحقق ذلك بنسبة كبيرة في تشكيلة الحكومة يوم أمس، فإن التوليفة الحكومية جعلت القوى السّياسية تجري حسابات ربح وخسارة على ضوء ما تضمّنه مرسوم تأليف الحكومة، وهي حسابات يمكن تلخيصها على الشكل التالي:

أولاً: لم يكن خافياً أن تيار المستقبل اعتبر نفسه من الفائزين بعدما استطاع الحريري تأليف الحكومة بعد مخاض عسير، وإثر مخاوف ساورت التيار الأزرق على كل المستويات من أن لا يستطيع الحريري تأليف الحكومة، ما قد يدفعه إلى الإعتذار وخروجه من السلطة، بالرغم من الأثمان الكبيرة لهذا الخروج. واعتبر إبقاء التيار يده على حقيبتي الداخلية التي تسلمتها ريّا الحسن، والإتصالات التي أعطيت إلى محمد شقير، نجاحاً، إضافة إلى ″مكافأة″ النائب السابق محمد الصفدي على وقوفه إلى جانب الحريري ودعمه في إنتخابات طرابلس، بتوزير زوجته فيوليت خير الله.

لكن مقابل هذا النجاح، مُني تيار المستقبل بخسائر ثقيلة، يأتي على رأسها إنتهاء حصرية واحتكار التيار الأزرق للطائفة السنّية في الحكومة لأول مرة منذ عام 2005، بعدما أجبرت نتائج الإنتخابات الحريري على الإعتراف بحثيثة خصومه، وتحديداً الرئيس نجيب ميقاتي واللقاء التشاوري للنوّاب السنّة المستقلين.

ثانياً: جاء حصول فريق رئيس الجمهورية ميشال عون والتيار الوطني الحرّ على 10 وزراء في الحكومة، ليسجل إنتصاراً غير مسبوق لحزب أو تيار سياسي واحد بحصوله على عشرة وزراء، وهو إنجاز ـ مكسب لم يحققه أي حزب أو تيار سياسي في أي من حكومات ما بعد إتفاق الطائف، وذلك يعود إلى وجود عون على كرسي قصر بعبدا، وخروج التيار البرتقالي بغلة نيابية (29 نائباً) جعلت كتلته الأكبر في مجلس النواب.

لكن عدم حصول فريق عون ـ التيار الوطني الحرّ على 11 وزيراً، وهو ما سعى إليه رئيس التيار جبران باسيل منذ اليوم الأول لتكليف رئيس الحكومة، شكل إحباطا للبرتقاليين، خصوصا أن هذا المسعى كان سببا أساسيا ورئيسيا في تأخير ولادة الحكومة.

ثالثاً: سجلت مشاركة الرئيس نجيب ميقاتي وكتلته الوسط المستقل إلى جانب اللقاء التشاوري للنوّاب السنّة المستقلين في الحكومة عبر عادل أفيوني للأول وحسن مراد للثاني، لترسم مشهداً سياسياً جديداً على الساحة السنّية، سيمتد حتى إنتخابات 2022 على أقل تقدير، لا تتمثل فقط في كسر احتكار تيار المستقبل لتمثيل الطائفة السنّية في الحكومة، بل لتعكس نتائج الإنتخابات النيابية، ولتجعل الطرفين شريكين أساسيين للتيار الأزرق في السلطة، بعد طول رفض وممانعة وإستئثار من الحريري.

رابعاً: لم تكن الحصّة التي حصلت عليها القوات اللبنانية ترضي طموحها، كمّاً ونوعاً، بعد أن تقلص عدد الحقائب التي طالبت فيها إلى 4 بدلاً من خمسة، وإلى تقديمها في اللحظات الأخيرة تنازلاً عن وزارة الثقافة لصالح التيار الوطني الحرّ، ما سهّل ولادة الحكومة. وليس واضحاً إن كانت هذه “التضحية” تعدّ مكسباً سياسياً وحكومياً لها أم لا، أم أنها أقدمت عليها بعدما وجدت أن لا خيار أمامها إلا القبول بما عرض عليها أو الخروج من الحكومة.

خامساً: ممّا لا شك فيه أن الثنائي الشيعي المتمثل بحركة أمل وحزب الله يعد من أبرز الرابحين، بحصوله على وزارات، سيادية وخدماتية، طالب بها منذ البداية وحصل عليها، كوزارة المالية التي بقيت في عهدة الوزير علي حسن خليل، ووزارة الصحة التي تسلمها حزب الله لأول مرّة عبر الوزير جمال جبق، برغم إعتراضات أميركية على تسلم الحزب وزارات مهمة كوزارة الصحة.

سادساً: بقاء وزارة الأشغال العامة والنقل في عهدة تيار المردة الذي أبقاها في عهدة الوزير يوسف فنيانوس، يعدّ نجاحاً للتيار ورئيسه سليمان فرنجية، بعدما حاول كثيرون، وعلى رأسهم التيار الوطني الحرّ، نزع هذه الحقيبة منه، نظراً لكونها وزارة خدماتية أساسية، وكونها تسهم بشكل أو بآخر في تعبيد الطريق أمام الطامحين بالوصول إلى قصر بعبدا.


مواضيع ذات صلة:

  1. ضغوط ربع الساعة الأخير تُحاصر الحريري: الى أين؟… عبد الكافي الصمد

  2. اللقاء التشاوري: رسائل سياسية كسرت قواعد السلطة… عبد الكافي الصمد

  3. سجال باسيل ـ المرعبي حول النّازحين: بوادر أزمة أم مجرد تباين؟… عبد الكافي الصمد


Post Author: SafirAlChamal