أحداث الجاهلية تسفر عن توازنات.. ولا تفرج عن الحكومة… مصباح العلي

عقب  تطويق احداث الجاهلية من تداعيات خطيرة  كادت ان تطيح بالسلم الاهلي بغفلة من الزمن، وبعدما حُبست الانفاس وعم القلق من انفلات الوضع الامني إثر مقتل مرافق الوزير السابق وئام وهاب محمد ابوذياب، استطاعت الاتصالات المكثفة من قطع دابر الفتنة كا أسفرت الجهود المكثفة  التي شارك فيها حزب الله بفعالية عن تهدئة الخواطر من جهة والانصراف لمعالجة الامور بلغة العقل والحوار من جهة اخرى.

بعد تسليم الأمر الى القضاء، تفسح التهدئة الحاصلة المجال مبدئيا لمراجعة متأنية سياسيا حيال ما جرى أولا ومن ثم كيفية التعامل مع النتائج التي اسفرت عنها ″موقعة″ الجاهلية وانعكاساتها على الصعيد الدرزي كما في البعد الوطني في ظل ازمة تشكيل الحكومة.   

فتحت نهاية الاسبوع الماضي التساؤلات امام المواطنين حول المسببات التي أوصلت الوضع اللبناني الى حافة الهاوية من دون امكانية تداركها قبل ان تسيل دماء اللبنانيين خصوصا ان المرحلة الراهنة بالغة الدقة والخطورة ولا تتناسب مع ″مراهقة سياسية″ اذ  ينبغي التعامل معها بكثير من الحكمة والتروي، ولعل الاختصار لتوصيف الواقع اللبناني هو ″خيبة امل″ على كل المستويات بعدما تولدت قناعة  بأن  الدولة  مفككة وعاجزة عن القيام بأبسط واجباتها اما القوى السياسية فمنشغلة في تقاسم جبنة حتى آخر منصب في السلطة وسط  تفشي منطق العصبيات الضيقة بشكل لم يعهده لبنان بتاريخه.

لعل الانعكاسات المباشرة ستكون داخل البيت الدرزي، خصوصا أن عزاء محمد ابوذياب كرس حضور ونفوذ وئام وهاب في عمق الجبل من جهة واطاح بالصورة التي كانت سائدة لعقود عن سيطرة مطلقة لزعامة وليد جنبلاط على الدروز مقابل حضور خجول لمنافسيه يتمثل بطلال ارسلان، ولعل الطرفين قد تعاملا مع الامر الواقع بسرعة قياسية  ما دفع جنبلاط الى استنفار كتلته النيابية كما حزبه للتخفيف من الامتعاض الذي حصل  جراء المبالغة بالقوة الامنية التي نفذتها شعبة المعلومات في الجاهلية بقرار من الحريري وتغطية من جنبلاط .

طلال ارسلان وجدها فرصة مناسبة فاقتنص اللحظة موفدا وفدا ضخما من مؤيديه والمشايخ الدروز باتجاه الجاهلية والايحاء بأن ثنائية ناشئة مع وهاب في عمق الجبل كفيلة بكسر حصرية جنبلاط تمثيل الدروز مع ما يعني ذلك من مفاعيل كثيرة في المعادلة التي حاول العهد ارسائها انطلاقا من نتائج الانتخابات النيابية والتي رسب خلالها وهاب على اصوات قليلة ما دفع البعض للاعتقاد بان وهاب خرج من المعادلة وما بقي هو طلال ارسلان، وهذا لا ينحصر بالبيت الداخلي بقدر ما يطاول التركيبة السياسية في لبنان القائمة على توازنات معينة والاخلال بها في جانب  يعني اعادة الحسابات بالجوانب الاخرى.

في المشهد السياسي، سجل حزب الله نقاطا على تيار المستقبل في تأمين مظلة سياسية وامنية لحماية الحليف وئام وهاب وهذا ليس بالأمر البسيط خصوصا في البيئة الدرزية كما في التوازنات الدقيقة، ولعله من المفيد التذكير بمعركة العهد والتيار الوطني الحر لرفض حصرية القرار الدرزي بيد وليد جنبلاط وفق شعار “منع الاحتكار السياسي من أجل  حماية الميثاقية”، ولعل الملفت هنا بأن حادثة الجاهلية لم تؤمن الاندفاعة المطلوبة لتسريع تشكيل الحكومة، بل على العكس فقد بان من نتائجها اجهاض الحريري لاقتراح الوزير جبران باسيل توسيع الحكومة صوب الى 32 وزيرا لحل عقدة تمثيل اللقاء التشاوري.

الرئيس المكلف عمم اجواء مفادها بأنه لن يتنازل تحت وطأة الخلل الامني الذي حصل في الجاهلية مهما حصل وعلى الطرف الآخر اي حزب الله المحافظة على التوازنات القائمة من دون استثمار ما حصل وتوظيفه في الكباش الحكومي، بالمقابل  يحرص حزب الله على نفي  اخلاله  بالتوازن الذي كان قائما بل ويدفع التهمة صوب الحريري الذي سخر الدولة وجند المصفحات صوب وهاب بشكل متهور وغير مدروس، في حين تشير اوساط مقربة من الحزب بأنه استدرك وقوع  الكارثة  في لبنان انطلاقا من شرارة ستنطلق من الجاهلية ولكن من الصعب التكهن بمدى نيرانها المشتعلة، وتتابع الاوساط بان حزب الله حمى السلم الاهلي عندما تدخل لحل الازمة في الوقت المناسب و ″عند النفس الاخير″.

 هنا يحاول من يتابع مداولات التشكيل تنشيط الذاكرة بأن حصة العهد والتيار ارتفعت بفعل العقدة الدرزية فتأمن الثلث  الحكومي المعطل في قبضة طرف سياسي واحد دون الحاجة لحلفائه، بينما مفتاح الحل بحوزة  باسيل لكنه يرفض مد يده الى جيبه والتواضع بحصة 10 وزراء، بينما الحل يتمثل بالتنازل عن المقعد السني من حصة رئيس الجمهورية ومنحه لسنة 8 آذار كما اشار  النائب جهاد الصمد  بذلك بوضوح تام ، في وقت لم يتزحزح موقف التيار الوطني الحر الذي بات جزءا اساسيا من مكونات السلطة لكنه ينتهج سياسة النأي بالنفس في العقدة السنية كما في التهديد الامني.  


Post Author: SafirAlChamal