فيروز إن فرّقتنا… ساندي الحايك

قبل الشروع في قراءة هذا النص، لابد من الاعتراف أن قرار كتابة هذه السطور جاء بعد أشهر طويلة من التفكير، فعندما تتعلق الأمور بالعواطف يُصبح خيار مشاركة قصصنا مع الآخرين مستعصياً.

يصعب عليّ كثيراً أن أتكلم عن أبي. أعجز عن الكتابة عنه رغم المناسبات الكثيرة التي تُتاح لي، كـعيد المعلم وعيد الأب وعيد مار ميخائيل وغيرها. لكنني اكتشفت مؤخراً أن الأمر لا يقتصر عليه، فأنا عاجزة تماماً عن الكتابة عن من أُحب. أتساءل إن كان الأمر ناتجا من فرط الحُب أو من شدّة المآسي! لكن النتيجة واحدة في النهاية. العجز يقتل الكلمات قبل ولادتها. لطالما كنت بارعة في كبت مشاعري، فقد نشأت في بيئةٍ تحض كل فتاة على فعل ذلك، ولم يكن أمامي من خيار سوى البحث عن سُبل بديلة للتعبير، فكانت فيروز.

رافقتني السيّدة في مختلف مراحل حياتي حتى باتت جزءاً لا يتجزأ منها. كل أغنية من أغانيها تُجسّد في رأسي حكاية عشتها. هي رفيقة الأيام والدروب الطويلة والرحلات التي أقود فيها سيارتي من دون وجهة ولا هدف. هي البئر الذي تنزلق فيه دموعي وأرمي فيه كل أثقالي. هي كل ما بقي لي من خمس سنوات طويت فجأة دون سببٍ واضح. هي ما يربطني بماضٍ لا أستطيع تخطي قسوته، وهي وحدها ما يجمعني بحاضر لا أملك جرأة الهروب بعيداً عنه. أستغرب قدرة الناس على النسيان. هل هو ممكن حقاً محوَ الماضي من سجلات الذاكرة؟ تقول فيروز في إحدى مقابلاتها: ″الماضي بيروح وبيجي، بس ما بينمحى″. حقاً هو كذلك. يكفي أن تُغني هي، حتى أردد أنا: ″ورقه الأصفر شهر أيلول .. ذكّرني فيك″. معها أستعيد بشوقٍ كل ما فات. صوتها فقط يُساعدني على استعادة صورة وجهه كاملةً بعد سنتين من الفراق. يُساعدني على إعادة تركيب أجزائه في مخيلتي كقطع ″البازل″. صوتها يعيدني حيّة به وكأن الأوقات الجميلة لم تزل. 

كنا قديماً تتنافس في حبها. في عتمة ليالينا الطويلة نتباهى من منا يحفظ حكايتها أكثر. في أي سنة ولدت؟ من لحّن لها؟ من أًغرم بها؟ من كَتب لها؟ هل هي شريكة لكل العشاق وقصص الحب مثلنا؟ في إحدى المرات قلت له: ″إن افترقنا سأقطع صلتي بكل ما يجمعني بك″. كُروم الزيتون والفول والبازلاء. مقهى إهدن. طريق الجامعة. ليالي بيروت وفيروز. حسناً لم أستطع مغادرة ذلك الصوت، بعدها بأشهر استحوذت فيروز على يومياتي أكثر من السابق. كان صوتها آخر ما سمعته قبل الوداع وبعده. اليوم لا رابط بيننا سواها. أصحو على رسالة صوتية منه، لا شيء فيها سوى تسجيلٍ لمقطع من إحدى أغنياتها. أرد باستكمال كلمات المقطع، ثم ينتهي الكلام، بانتظار اليوم التالي. لو لم تكن فيروز لما كان للعشق طريق.  

Post Author: SafirAlChamal