الحكومة والعقدة السنّية: سوابق تراجع الحريري كثيرة… عبد الكافي الصمد

منذ مغادرته بيروت إلى العاصمة الفرنسية باريس، في الأول من تشرين الثاني الجاري، لم تنقطع الإتصالات بين الرئيس المكلف سعد الحريري والمعنيين بتأليف الحكومة، وفي مقدمهم رئيس الجمهورية ميشال عون، إذ نقلت معلومات أن الحريري أبلغ عون، خلال إتصال هاتفي أجراه معه، رفضه المتكرر توزير أحد النواب السنّة المستقلين في حكومته، معتبراً أن توزير أحد هؤلاء النواب هو بمثابة ″إنتحار″ له، و″نهاية″ لحياته السياسية.

طيلة الفترة الممتدة منذ تكليفه تأليف الحكومة في 24 أيار الماضي، أبدى الحريري رفضه إقتطاع أي حقيبة وزارية من حصّة الطائفة السنّية لخصومه داخل الطائفة، إلا قبوله إجراء عملية ″تبادل″ بينه وبين عون، تقضي بحصول الثاني على حقيبة لوزير سنّي من حصته على أن يحصل الحريري مقابله على حقيبة لوزير مسيحي يكون من حصته.

تمسّك الحريري بحصرية تمثيل الطائفة السنّية في الحكومة، وتالياً في التعيينات داخل إدارات الدولة، بشكل يضمن إحتكاره تمثيل الطائفة، لا ينسجم أبداً مع نتائج الإنتخابات النيابية التي يحاول الحريري التهرّب منها، بعدما أفضت إلى تراجع عدد نواب كتلته النيابية من 33 نائب إلى 20، وفوز 10 نواب سنّة من خارج خيمة تيار المستقبل، ما فرض عليه أمراً واقعاً بات يستدعي منه التنازل عن حصته في الحكومة، وقبوله ولو على مضض، مشاركة خصومه في الطائفة السنّية الحقائب الوزارية في داخل مجلس الوزراء، والجلوس معهم على طاولة واحدة، للمرة الأولى منذ عام 2005.

عدم قبول الحريري بشدّة توزير أحداً من خصومه من النواب السنّة في الحكومة المقبلة، ليس الرفض الأول الذي يعلن الحريري عنه، فهو لطالما اعترض في السابق على ملفات عدّة قبل أن يعود ويتراجع ليقبل بها، ومن أبرزها:

أولاً: بعد الإنتخابات النيابية التي جرت عام 2009، وتكليف الحريري تأليف الحكومة لأول مرّة، رفض إعطاء الثلث الضامن أو المعطل لقوى 8 آذار، وتقدّم باعتذاره عن تأليف الحكومة ليُعاد تكليفه من جديد، ليقبل بصيغة ″الوزير الملك″ في الحكومة، برغم أنها غير مضمونة كفاية، إذ استقال أواخر عام 2010 وزراء فريق 8 آذار العشرة إضافة إلى الوزير الملك، بعد نقضه التفاهم مع حزب الله، فطارت حكومة الحريري.

ثانياً: بعد استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2013 وتكليف الرئيس تمام سلام تأليف الحكومة، أعلن الحريري مراراً أنه لن يشارك في حكومة يشارك بها حزب الله، لكنه تراجع لاحقاً وشارك حزب الله مع تيار المستقبل جنباً إلى جنب في حكومة سلام، وفي حكومة الحريري الثانية التي شكّلها عام 2016، بعد انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية.

ثالثاً: أعلن الحريري مراراً قبل انتهاء ولاية الرئيس السابق للجمهورية ميشال سليمان، في 24 أيار 2014، أن مرشحه لرئاسة الجمهورية هو رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، رافضاً إيصال ما أسماه ″مرشح حزب الله والنظام السوري″ إلى قصر بعبدا، لكنه بعدما نفض يده من تبني ترشيح جعجع وحاول أن يسير برئيس تيار المردة سليمان فرنجية، قبل أن يتراجع وينتخب عون أواخر تشرين الأول عام 2016، بعدما بقي الفراغ الرئاسي في البلد قرابة سنتين ونصف.

رابعاً: رفض الحريري الموافقة على إقرار أي قانون إنتخابي قائم على النسبية، معلناً أنه لن يقبل إجراء الإنتخابات وفق قانون نسبي ما دام سلاح حزب الله موجوداً، إلا أنه عاد وسار بقانون إنتخابي يعتمد النسبية والصوت التفضيلي، وهو القانون الذي جرت إنتخابات 6 أيار 2018 على أساسه.

يستخلص من كل ذلك أن الحريري رفض إقتراحات وأمور كثيرة في السابق، ثم عاد ليقبل بها، ويتخلى عن رفضه تحت شعار ″مصلحة لبنان أولاً″، فهل رفضه توزير احد النواب السنة المستقلين سينتهي بتراجعه وقبوله مشاركتهم له في السلطة التنفيذية؟ الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة.


Post Author: SafirAlChamal