أبناء طرابلس والشمال يدفعون سنويا 300 مليون دولار للاشتراكات

خاص ـ سفير الشمال

نفذ أصحاب المولدات الكهربائية تهديداتهم، وأغرقوا لبنان بالعتمة لساعتين، وتحدوا بذلك الدولة وكشفوا فشلها في تأمين التيار الكهربائي للبنانيين على مدار ربع قرن من الزمن كثرت فيه الوعود العرقوبية، وجرى صرف أكثر من 30 مليار دولار على قطاع ما يزال يترنح، في وقت نجحت فيه كل الدول المحيطة حتى تلك التي تعاني من حروب ودمار في تنظيمه وفي توفير التيار الكهربائي لمواطنيها 24 ساعة.

يمكن القول أن طرابلس ومعها مناطق الشمال وعكار هي الأكثر معاناة مع التيار الكهربائي ومع تقنينه العشوائي ومع تسلط أصحاب المولدات على رقاب البشر، حتى وصل الأمر الى حرمان أبناء طرابلس من إنتاج الكهرباء عبر شركة ″نور الفيحاء″ التي يُجمع كل المعنيين بمن فيهم وزيري الطاقة أرتور نازريان وسيزار أبي خليل بأنها مكتملة الشروط الفنية والقانونية، لكن “الكيدية السياسية” تحول دون الافراج عن ملفها من أدراج وزارة الطاقة، في وقت لم تنفع فيه كل الجهود التي بذلت في هذا الاطار لكي يبصر هذا المشروع النور، في ظل لامبالاة من الرئيس سعد الحريري الذي كان بوسعه أن يتعاطى بشكل أفضل مع هذا الملف وتحقيق وعدا من الوعود الكثيرة التي أطلقها لأبناء طرابلس، خصوصا أنه عندما يصار الى تأمين الكهرباء للفيحاء وجوارها وبسعر أقل من السعر الحالي فإن الخير سيعم الجميع ومن كل الطوائف والمذاهب والانتماءات السياسية، علما أن الرئيس نجيب ميقاتي سبق ومن على منبر مجلس الوزراء أن وضع هذا المشروع في عهدة الرئيس الحريري، كما تلقى وعدا من رئيس الجمهورية بهذا الخصوص، لكن يبدو أن الكيدية السياسية ما تزال هي الأقوى.

لا تتعدى ساعات التغذية في محافظة الشمال في أفضل حالاتها الـ 16 ساعة خلال فصليّ الخريف والربيع، وهي تتراجع في فصليّ الشتاء والصيف الى 12 ساعة وأقل لتصل الى 8 ساعات، وهي اليوم في أسوأ حالاتها على الاطلاق، نتيجة حجم الأعطال وقدرة الخزانات والمحولات المحلية في المناطق على التحمل في ظل الاعتداءات الأفقية على الشبكات العامة من قبل كثير من المواطنين، ونتيجة غياب الصيانة اللازمة لها من قبل الدولة.

ومما يزيد الطين بلة هو النزوح السوري والمخيمات العشوائية المنتشرة في مختلف المناطق والتي تتغذى كهربائيا بواسطة التعليق على الشبكات العامة ما يؤدي الى إضعافها وتعرضها لكثير من الأعطال التي تجعل العديد من البلدات والقرى تفتقر الى التيار الكهربائي لسببين الأول التقنين الرسمي، والثاني الأعطال الناتجة عن الاعتداءات والتي تحتاج الى كثير من الوقت لاصلاحها.

لا بديل في منطقة الشمال عن كهرباء الدولة سوى الشركات الخاصة التي تبيع التيار الكهربائي للمواطنين بواسطة المولدات الكبيرة (بما يعرف بالاشتراكات) إضافة الى المولدات الخاصة التي ما تزال بعض العائلات في القرى الشمالية الجردية تعتمد عليها، وذلك بعد فشل أكثر من محاولة في إيجاد لا مركزية كهربائية من خلال تأسيس شركات خاصة تؤمن التيار للمناطق المتواجدة فيها بمعزل عن شركتي قاديشا وكهرباء لبنان، في حين أن بعض القرى النائية لا سيما في عكار والضنية ما تزال تعتمد على البدائل التقليدية في الانارة كالشمع والمصابيح على الكاز أو على الغاز.

تشير مصادر فنية مطلعة في شركة كهرباء قاديشا الى الفارق الكبير في سعر ″الكيلووات″ الواحد بين كهرباء الدولة وبين ″الاشتراكات″، حيث يدفع المواطن ما يقارب 110 ليرات لبنانية ثمنا لكل ″كيلووات″ وهو سعر مدعوم من الدولة، بينما يدفع أكثر من 700 ليرة لكل ″كيلووات″ للشركات الخاصة.

وفي عملية حسابية بسيطة تشير هذه المصادر الى وجود نحو 300 ألف مشترك في محافظتي الشمال وعكار، لكل منهم ساعة كهربائية رسمية، وإذا كان 250 ألف منهم يلجأون عند إنقطاع التيار الكهربائي الى الشركات الخاصة ″الاشتراكات″ ويدفعون سعرا وسطيا قدره مئة دولار أميركي وهو المبلغ الذي يُدفع لكل 5 أمبير في أكثرية الأقضية والمناطق الشمالية، فان كلفة المولدات الخاصة في الشهر الواحد هي( 250 ألف مشترك × 100 دولار) أي ما يعادل 25 مليون دولار شهريا،  أي ما يعادل 300 مليون دولار سنويا.

وتذهب هذه المبالغ الى جيوب بعض النافذين والمافيات الذين يديرون تلك الشركات بدعم سياسي وأمني، من دون أن يصل الى الدولة قرشا واحدا، كونها لم تفلح حتى الآن في تجاوز المحسوبيات وقوى الأمر الواقع والمصالح الشخصية في المناطق الشمالية من أجل تنظيم هذا القطاع والاستفادة منه، وقد ظهر ذلك جليا في إستقواء أصحاب المولدات على الدولة التي حاولت أمس أن ″تكشر عن أنيابها″ لملاحقة ومحاسبة من أسمتهم ″المسؤولين عن إغراق الناس في العتمة″.

300 مليون دولار، هذا في الشمال فقط، فكيف هو الحال في سائر المحافظات اللبنانية؟ حيث تشير المصادر الفنية الى أن هذه المبالغ التي تدخل سنويا الى صناديق شركات بيع الكهرباء، من شأنها أن تمكن الدولة من إقامة أكثر من معمل حراري لانتاج الطاقة بما يساهم في إيجاد حلول نهائية لأزمة الكهرباء في لبنان، والدليل على ذلك هو أن شركة نور الفيحاء رصدت لمشروعها 250 مليون دولار، لانتاج طاقة كهربائية تكفي كل نطاق تغذية كهرباء قاديشا طرابلس وجوارها، وما يفيض يمكن بيعه، لكن يبدو واضحا حتى الآن أن الدولة والمسؤولين في واد والأزمة الكهربائية في واد آخر، وأن المؤامرة مستمرة على طرابلس.

Post Author: SafirAlChamal