بعد فشل رهاناته: هل يتراجع الحريري؟… عبد الكافي الصمد

أكثر من ورطة ومأزق أوقع الرئيس المكلف سعد الحريري نفسه بهما منذ تكليفه تأليف الحكومة في 24 أيار الماضي، أعطت إنطباعاً أن الرجل ما يزال يتخبّط سياسياً، وأن 13 عاماً مرت على دخوله معترك الحياة السياسية في لبنان، بعد اغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط 2005، لم تكن كافية على ما يبدو لنضوجه سياسياً.

فقد كان منتظراً أن تكون الدروس التي تلقاها الحريري في الأشهر القليلة الماضية كافية لنضوجه سياسياً، من إحتجازه قسراً في السعودية العام الماضي لمدة 14 يوماً وتقديم إستقالة حكومته قبل تراجعه عنها إثر خروجه من المملكة، والتطورات العسكرية في سوريا والعراق التي جعلت المحور السياسي المناهض له في موقع المنتصر، والإنتخابات النيابية الأخيرة التي أفضت إلى تراجعه، خصوصاً على السّاحة السنّية، لكن كل ذلك لا يبدو أنه دفعه لإعادة قراءة وتمحيص تجربته في الحكم والتعلم من أخطائها.

ومن أبرز الورطات التي أوقع الحريري نفسه بها في مسألة تأليف الحكومة، النقاط التالية:

أولاً: أعطى لنفسه وللبنانيين قبل أيام مهلة أسبوع إلى عشرة أيام لتأليف الحكومة، فإذا به يكتشف أن عقد تأليفها ما تزال تقريباً عند حالها، وأنه أوقع نفسه في حرج كبير أمام جمهوره وأمام الرأي العام، أفقده الكثير من المصداقية، ما جعل كثيرين من حلفائه وخصومه ينصحونه في السرّ والعلن عدم إعطائه مهلاً زمنية لتأليف الحكومة، لأن أمر تشكيلها ليس بيده وحده.

ثانياً: راهن الحريري في السابق، وما يزال، على متغيرات إقليمية يأمل أن تأتي لصالحه وصالح المحور السياسي الذي يرى نفسه فيه، سواء بما يخصّ سوريا وسقوط نظامها، أو أن يؤدي فرض العقوبات الدولية على إيران في السابق إلى تغيير نظامها، لكن أي شيء من ذلك لم يحصل، بل إن التطورات في المنطقة أتت وتأتي لصالح سوريا وإيران ومحورهما، وبرغم ذلك ما يزال الحريري وبعض المقربين منه يراهنون على أن العقوبات التي ينتظر أن تفرضها الولايات المتحدة على إيران في 4 تشرين الثاني المقبل ستفرض واقعاً جديداً في المنطقة، وأن الإنتظار إلى ذلك الحين قد يتيح تحقيق مكاسب للحريري وحلفائه في لبنان بما يتعلق بتأليف الحكومة.

لكن ما لم يحسبه الحريري وفريقه أن تأتي حسابات الحقل مطابقة لحسابات البيدر، وأن يُمنى الحريري بنكسة وخيبة أمل جديدتين، تجعله يُقدّم تنازلات سياسية أكبر من التي قدّمها ويقدمها، سواء في مسألة تأليف الحكومة أو في غيرها.

ثالثاً: ما يزال الحريري يكابر على نفسه، ويرفض الإعتراف بواقع سياسي جديد أفرزته الإنتخابات النيابية الأخيرة، وهو أن حلفه السياسي القديم المتمثل بفريق 14 آذار قد خسر في الإنتخابات وتراجع عدد نوابه لصالح الفريق السياسي الخصم له المتمثل بفريق 8 آذار، قياساً بمجلس إنتخابات 2009، وأن الخسارة الكبرى قد مُني بها الحريري نفسه، بعدما تراجع عدد نواب كتلته الزرقاء من 33 نائب إلى 20، وبعدما لم يعد يملك حصرية تمثيل الطائفة السنّية نيابياً، نتيجة فوز 10 نواب سنّة خارج تيار المستقبل، وتصويت قرابة 45 % من الناخبين السنّة لصالح خصومه ضمن الطائفة.

رابعاً: لم يتسم أداء الحريري خلال وجوده في السلطة أو خارجها، أغلب الأحيان، بما يُسمى الواقعية السياسية، إذ كان دوماً يرفض الإعتراف بالوقائع على الأرض، والتعامل معها، وهو ما جعله يتلقى خسائر سياسية بالجملة والمفرق، سياسياً ومالياً، منذ ولوجه الحياة السياسية في لبنان، وهي خسائر مرشحة لأن تزداد في المرحلة المقبلة إذا بقي الحريري يسير سياسياً على المنوال نفسه الذي ما يزال سائراً عليه منذ 13 عاماً.


Post Author: SafirAlChamal