جئني بمِثلِهم… عبد الفتاح خطاب

تعيد سفير الشمال نشر مقال الزميل الصحافي عبدالفتاح خطاب عن الرئيس السوداني عبدالرحمن سوار الذهب الذي وافته المنيّة يوم أمس وهو كان نشر في 27 تشرين الثاني 2017، وفي ما يلي المقال:

ليس معهوداً في عالمنا العربي أن يعود الحاكم طواعية إلى منزله بعد انتهاء ولايته، بل نجده يسعى جاهداً إلى التمديد والتجديد ما أمكن، أما في حال الإنقلاب العسكري فيبقى، إذا تسنى له، إلى الأبد!

خلال أكثر من نصف قرن لم تسجل سوى حالة واحدة عاد فيها قائد انقلاب عسكري إلى الثكنة بعد أن سلم السلطة إلى حكومة مدنية، كانت تلك هي حالة عبد الرحمن سوار الذهب، وخلافاً لذلك لم يترك قائد انقلاب واحد السلطة إلا ميتاً أو مقتولاً أو سجيناً أو منفياً أو مطروداً.

ولقد عرف العالم العربي قادة انقلابات حكموا مدداً تزيد على مدة حكم ملوك مبايعين ورؤساء جمهوريات مُنتخبين، بل وابتُدعت بدعة “الرئيس مدى الحياة”، وخلافة الأقرباء.

فبعد انقلاب 1985 الذي أطاح بالرئيس السوداني جعفر النميري على يد قائد الجيش المشير عبد الرحمن سوار الذهب الذي قام بتشكيل حكومة إئتلافية لمدة سنة واحدة أشرفت على انتخابات أفرزت تولي سلطة مدنية للحكم في الموعد المحدد تماماً، ليضرب سوار الذهب مثلاً مميزاً للعسكري غير الطامع بالسلطة أو مغرياتها.

هذا الرجل هو حالة فريدة في العالم العربي، وهو النموذج الوحيد لحاكم سابق يعيش بيننا ويتنازل عن السلطة طوعاً، وقد كان بوسعه أن يبقى في السلطة وما أكثر المبررات التي سيقت بين يديه ليبقى ويستمر، وما أكثر الروايات عن أصوات طالبته آنذاك بالبقاء وتمديد فترة بقائه ولو لفترة قصيرة، إلا أن الرجل أبى وحرص على تنفيذ وعده بعودة الجيش إلى ثكناته في اليوم المحدد. هو رجل يتحلى بصفات أضحت مفقودة ونادرة .. النزاهة والمصداقية.

وسوار الذهب هو حالياً عضو في عدّة مؤسسات إسلامية وعالمية وقدّم العديد من البحوث في مؤتمرات حول الإسلام والدعوة إليه والتحديات التي تواجهه على المستويات المحلية والإسلامية والدولية، وقد فاز بجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الاسلام. كما شارك بفكره وخبرته في كثير من المؤتمرات المحلية والإقليمية والعالميـة المهتمَّة بالعمل التطوعي والدعوة الإسلامية، وقدم بحوثاَ قيّمة في القضايا الدولية ومشكلات العالم الإسلامي، وكان له دور كبير في دعم التعليم والعمل الصحي والاجتماعي في بلاده.

وهو يشغل حالياً منصب رئيس مجلس أمناء منظمة الدعوة الإسلامية التي حققت العديد من الإنجازات فى عدّة دول إسلامية في مجال إنشاء المدارس وحفر الآبار وبناء المستشفيات والمستوصفات وملاجىء الأيتام، وهو نائب رئيس “ائتلاف الخير” في لبنان الذي يهدف إلى التنسيق بين المؤسسات الخيرية العاملة لفلسطين، والتخفيف من معاناة وآلام الشعب الفلسطيني والحفاظ على مقدراته وإعادة تأهيل البنية التحتية له، وبناء الإنسان المنتج القادر على إعالة نفسه وذويه. وهو أيضاً نائب رئيس المجلس الإسلامي العالمي للدعوة بالقاهرة، ونائب رئيس الهيئة الإسلامية العالمية في الكويت، ونائب رئيس أمناء مؤسسة القدس الدولية، وعضو مؤسس في العديد من المنظمات والجمعيات الخيرية والاجتماعية الإسلامية والعالمية الأخرى، وقام بجهود كبيرة في مجال الإغاثة في فلسطين والصومال والشيشان وأذربيجان، وفي حل النزاعات بين بعض الدول والجماعات الإسلامية.

يبدو أن معادن الناس من أسمائها … عبد الرحمن سوار الذهب، شمعة مضيئة في زمن مظلم.

 

Post Author: SafirAlChamal