الحريري وسوريا: الحكومة مدخلٌ لتصحيح العلاقات؟… عبد الكافي الصمد

أكثر من مرّة، عبّر رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري عن رفضه التواصل مع الحكومة السورية، أو زيارة العاصمة دمشق، رافعاً جداراً عالياً من اللاءات بينه وبين القيادة السورية، وصولاً إلى حدّ تلويحه بأن ″إبحثوا عن شخص غيري لرئاسة الحكومة إذا أردتم مني زيارة سوريا!″.

الموقف العدائي من سوريا إتخذه الحريري منذ اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط  عام2005، واتهامه سوريا بالوقوف وراء اغتياله، قبل أن يتراجع عن عدائه واتهامه خلال تفاهم السعودية مع سوريا، وهو ما عرف حينها بتفاهم ″سين ـ سين″، وزيارته دمشق مرتين، الأولى في 19 و20 كانون الأول 2009، والثانية في 18 أيار 2010.

لكن إسقاط حكومة الحريري أواخر عام 2010 واندلاع شرارة الأزمة السّورية في منتصف آذار 2011، جعله يعود لموقفه المعادي لسوريا ويقف في خندق أعدائها، وصولاً إلى حدود اتهامه بالتورط عبر مقربين منه في الحرب السورية من خلال دعمه المعارضة.

غير أن تهافت الرهانات على إسقاط النظام في سوريا، وتلقي قوى المعارضة هزيمة تلو الأخرى بالتزامن مع استعادة الحكومة السورية تدريجياً سيطرتها على أغلب أراضي البلاد، دفعت بالحريري إلى رفع شعار النأي بالنفس عن أحداث سوريا، وهو الشعار الذي رفعه قبله الرئيس نجيب ميقاتي وانتقده الحريري عليه بشدّة، قبل أن يرى أن اعتماده يفيده سياسياً، برغم أنه بقي في مواقفه وتحركاته يناصب النظام في سوريا العداء.

في الأشهر الأخيرة طرأت تطورات كثيرة، وتغيّرت الكثير من المعادلات السّياسية والأمنية على الأرض في سوريا والمنطقة، وهي مرشحة للتطوّر أكثر في المرحلة المقبلة وستعزز من وضع النظام السوري وحلفائه، وستجعل الحريري مضطراً للتعامل مع واقع جديد وإن كان لا يحبذه.

فالإنتخابات النيابية الأخيرة التي جرت في 6 أيار الماضي أفضت إلى فوز كبير لحلفاء سوريا فيها، وحصدهم الأغلبية في مجلس النواب، كما بدأت حكومات ودول عربية وغربية عدّة تعيد  علاقاتها مع سوريا، سرّاً أو جهراً، في حين أن العلاقات الأمنية بين سوريا وهذه الدول بهدف تبادل المعلومات بما يتعلق بمواجهة الإرهاب وتنظيماته لم تنقطع يوماً.

كل ذلك كان يحصل بينما كان لبنان يعاني من أزمة إقتصادية حادة وضائقة معيشية صعبة، نتيجة إغلاق الحدود بين سوريا والأردن، ما جعل تصدير المنتجات الزراعية والصناعية من لبنان إلى الخارج برّاً متعذرة، وبعدما تبين أن التصدير البحري لم يكن تعويضاً كافياً، فضلاً عن وجود نحو مليوني نازح سوري في لبنان رتبوا عليه أعباء مكلفة على كل الصعد.

بعد افتتاح معبر نصيب ـ جابر الذي يربط بين سوريا والأردن، يوم الإثنين الماضي، تنفس المصدّرون اللبنانيون الصعداء، خصوصاً بعدما نقل لهم المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم عن مسؤولين سوريين، عدم ممانعتهم تصدير السلع اللبنانية عبر سوريا إلى دول الخليج، بعد مخاوف ساورتهم من أن يرفض السوريون السماح لهم بالعبور.

غير أن بادرة حسن النيّة هذه من الحكومة السورية، يفترض بالحريري أن يلاقيها بخطوة مماثلة، أبرزها تمثيل حلفائها في حكومته المرتقبة، وأبرزهم النوّاب السنّة المستقلين والحزب السوري القومي الإجتماعي، إلى جانب حلفائها الآخرين وعلى رأسهم حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر وتيار المردة.

فالحريري الذي يدرك جيداً أزمة لبنان المالية، يعرف بالمقابل أن انفراج الوضع الإقتصادي في لبنان مرتبط بشكل كبير بسوريا، بدءاً من إعادة فتح الحدود بين سوريا وبين دول الجوار، وإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم، وفتح الباب أمام اللبنانيين للإسهام بورشة إعادة إعمار سوريا، أفراداً وشركات، ما يطرح تساؤلات: كيف يمكن له أن يحقق كل هذه المكاسب وهو على عداء سياسي وشخصي مع سوريا وحلفائها في لبنان، فضلاً عن ركوب بعض المقربين منه رؤوسهم، حيث وصل بهم الأمر إلى رفضهم دعوة سوريا رسمياً إلى القمة الإقتصادية والإجتماعية العربية التي ستعقد في بيروت في 19 و20 كانون الثاني 2019 المقبل؟.


Post Author: SafirAlChamal