بروباغندا إنمائية جديدة.. ألا يعلم الحريري ماذا تحتاج طرابلس من مشاريع؟… غسان ريفي

كانت طرابلس أمس على موعد مع دفعة جديدة من ″الوعود″ التي أطلقت خلال قيام وفد مكلف من الرئيس سعد الحريري بزيارة المدينة للاطلاع على مشاريعها، وعلى ″حسن سير تنفيذها″.

يمكن القول إن الزيارة كانت خالية من مضمونها، وأشبه بـ″بروباغندا″ حيث غاب الانماء وحلّت السياسة بقوة، فحضر فريق الحريري مع قيادات وكوادر من ″تيار المستقبل″ في محاولة جديدة لـ″ذر الرماد في عيون الطرابلسيين″ الذين سئموا الوعود العرقوبية، وملوا مشاريع مدينتهم التي مضى عليها سنوات طويلة ولم تبصر النور، كما لم يعودوا يطيقون ″التفرد″ الذي يصرّ عليه الحريري الذي لم يكلف نفسه عناء التنسيق مع أي من نواب المدينة أو فاعلياتها ليكونوا الى جانب الوفد المكلف من قبله لوضع الاصابع على الجروح الانمائية الكثيرة، فجاءت زيارة الوفد “سياحية” أكثر منها إنمائية تخللها جولات وغداء، وتصريحات إعتاد الطرابلسيون على سماعها في كل مناسبة.

لم ينس أبناء طرابلس الحلقة الشهيرة من برنامج كلام الناس في العام 2014 التي أطل فيها الرئيس سعد الحريري مع الزميل مرسال غانم، وفتح تقنية السكايب مع فريق عمله الانمائي الذي كان أكثر أعضائه في الوفد الذي زار طرابلس أمس، ليطلق الوعود على صعيد تقديم هبة بعشرين مليون دولار لمسح صورة جولات العنف من المناطق المتضررة، وترميم الوحدات السكنية، وإقامة المشاريع المختلفة التي لم بقيت كلاما في الهواء وحبرا على ورق.

لم تعد طرابلس تحتاج الى زيارات أو الى إعداد دراسات حول مشاريع، أو الى وضع تصورات، بل هي تحتاج الى قرار رسمي بالاهتمام والانماء، وهذا القرار يبدو أنه ما يزال غير متوفر، وأن الانماء تحول الى شعار إنتخابي يخرجه الرئيس الحريري كل أربع سنوات خلال زيارته المناطق الطرابلسية، ثم يتلاشى بعد الانتخابات النيابية، وقد خاب أمل الطرابلسيين مرات عدة منذ العام 2005 بوعود لم تتحقق، وبمشاريع لم تأخذ طريقها نحو التنفيذ، أو لم تستكمل، أو لم تراع دفاتر الشروط فتحولت وبالا على المدينة وأهلها، وليس مشروع الارث الثقافي ببعيد، حيث تحول الى كارثة ثقافية ما يزال أهالي المناطق التراثية يدفعون ثمنه حتى اليوم.

ألا يعلم الرئيس سعد الحريري أن ثمة جسرا يربط بين طرابلس والبداوي دخل عامه التاسع من دون أن يبصر النور، وأن هناك محطة تكرير من المفترض أنها دشنت في العام 2009، تعمل بقوة عشرة بالمئة من قدرتها لأن المياه المبتذلة لم تصلها بعد ما أدى الى تحولها الى خردة بفعل وجودها على شاطئ البحر، وأن هناك مشروعا للارث الثقافي يُمعن حتى الآن بتشويه المنطقة التراثية التي صمدت أكثر من 700 عام منذ عهد المماليك.

ألا يعلم الرئيس الحريري أن المرفأ يحتاج الى إقرار قرض البنك الاسلامي الذي ساهمت كتلته في تطيير نصاب الجلسة التشريعية “الضرورية” قبل إقراره، وأن ثمة إنهيارات في منشآت معرض رشيد كرامي الدولي تحتاج الى إعلان حالة طوارئ في هذا الصرح وتجاوز كل القوانين والروتين الاداري لانقاذ ما يمكن إنقاذه، وأن بعض حلفائه يحشون مصفاة طرابلس بالمحاسيب والأزلام بالرغم من توقفها عن العمل، وأن مطار القليعات في عكار بات حاجة ماسة بعد الفضائح المتتالية التي يشهدها مطار بيروت.

ألا يعلم الرئيس الحريري أن ثمة مشروعا جاهزا ومتكاملا لانارة طرابلس 24 على 24 ساعة تحت إسم “نور الفيحاء” محتجز كيديا في أدراج وزارة الطاقة، وأن الطريق الى المبنى الجامعي الموحد تحتاج الى تحرير لانقاذ المواطنين والطلاب من زحمة السير اليومية، وأن الملعب الأولمبي عند مدخل طرابلس الجنوبي يتآكل وينهار تباعا ويحتاج الى صيانة وإعادة تأهيل، وأن محطة التسفير ما تزال تنتظر منذ 30 عاما بعدما كلفت دراستها أكثر من ملياريّ ليرة، في وقت يواجه جزء من أرضها إعتداءات من شركة الدقيق الوطنية، وأن سوق الخضار كان من المفترض أن يبصر النور منذ عشر سنوات على الأقل وما يزال في عهدة مجلس الانماء والاعمار.

ألا يعلم الرئيس الحريري أن طرابلس تعيش في عتمة، وتتنشق الروائح الكريهة، وأن طرقاتها تُحفر وتُغلق في الشهر الواحد أكثر من مرة بسبب سوء التنفيذ، وأنها مدينة تفتقر حتى الى الشارات الضوئية لتنظيم حركة السير، وأن وسطها التجاري يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة بفعل غياب كل أنواع مشاريع التطوير والتحسين، وأن الطرابلسيين يئنون من فقر بلغ نسبته 60% ومن بطالة تجاوزت الـ 40 بالمئة، ومن تسرب مدرسي بلغ 57 بالمئة.

إذا كان الرئيس الحريري لا يعلم كل ذلك، فتلك مصيبة، وإذا كان يعلم فلا داعي للزيارات والدراسات مجددا لأن مشاريع طرابلس باتت معروفة، ولا تحتاج إلا الى تمويل وإعطاء إشارة الإنطلاق، وما إنطلق منها يحتاج الى مراقبة لضمان حسن وسرعة التنفيذ، وكل ما دون ذلك تضييع للوقت، وضحك على ذقون الطرابلسيين.


Post Author: SafirAlChamal