هل يكون المطار وأمنه ضحية الصراعات السياسية؟… غسان ريفي

لم يعد صدفة ما يجري في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، بل يبدو واضحا أن الأزمة السياسية الراهنة، وصراع التيارات والأحزاب، وما بات يعرف مؤخرا بـ″الأوامر العليا″، باتت كلها ترخي بثقلها على اللبنانيين والعرب والأجانب المسافرين عبر هذا المطار الوحيد في لبنان.

لا يملك المسافر عبر مطار بيروت إلا الدعاء بأن لا يتزامن موعد سفره مع إقلاع طائرة رئاسية، أو مع قرار بتصفية حسابات سياسية يعكس نفسه خلافا بين الأجهزة الأمنية، أو مع خطأ تقني ـ معلوماتي من شأنه أن يعطل برنامج الرحلات، لكي لا يجد المسافرون أنفسهم أسرى ساعات الانتظار والذل في قاعات المطار من دون أن يقيم أحد من المعنيين لهم وزنا أو كرامة.

يمكن القول أن مطار بيروت بات حديقة خليفة للتخبط السياسي المتنامي في لبنان، وهو أمر يعتبر بالغ الخطورة كونه يتعلق بواجهة البلد التي تستقبل الضيوف والسواح أو المغتربين وكذلك المغادرين من اللبنانيين أو الأجانب، فلم يسبق أن تم إنزال الركاب من طائرة متجهة الى أي بلد، لكي توضع إحتياطا لطائرة رئيس الجمهورية، ولم يسبق أن تدخلت الأجهزة الأمنية بتقنيات الطيران وبتعبئة الفيول للطائرات، بل إن الرحلات الرئاسية على إختلافها لها تحضيراتها اللوجستية والتقنية والأمنية الخاصة، وإطارها السري، ولم تكن في يوم من الأيام أسيرة فوضى أو سوء تصرف أو تقدير، ولم يسبق أن شعر المسافرون بسفر المسؤولين في حال تزامنت المواعيد مع بعضها البعض، كما لم يسبق أن تم تسريب لائحة الركاب للطائرة الرئاسية كما حصل خلال سفر الرئيس ميشال عون الى أميركا.

ما يشهده مطار بيروت يسيء الى لبنان والى تاريخه، ومؤسساته الرسمية وقياداته السياسية، وأجهزته الادارية والأمنية، والى شركة الطيران التي كانت سمعتها الطيبة تسبقها الى كل البلاد بطولها وعرضها.

ليس أمرا عابرا ما شهده مطار رفيق الحريري الدولي يوم أمس، على صعيد تضارب الصلاحيات ومحاولة جهاز أمن المطار الاشراف على عمل سرية التفتيش التابعة لقوى الأمن الداخلي، وإن حاول وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال نهاد المشنوق الذي سارع الى زيارة المطار وإحتواء الموقف، التخفيف من وقع الفضيحة وإعتبارها مجرد خلاف على الصلاحيات بين الأجهزة الأمنية، خصوصا في ظل التسريبات التي أشارت الى أن ما حصل  يرتبط إرتباطا وثيقا بسفر رئيس الجمهورية الى أميركا، وبأزمة إنزال الركاب من الطائرة المتجهة الى مصر لوضعها بتصرف الوفد الرئاسي، وبعملية تسريب أسماء ركاب هذا الوفد كاملة الى وسائل الاعلام.

يعني ذلك أن ما شهده المطار هو خلاف سياسي، ومحاولة لتصفية الحسابات، إنعكس على الأجهزة الأمنية التي تعتبر صمام الأمان الأخير للبلد، والتي يبني كل اللبنانيين آمالهم عليها في أن تبقى بعيدة عن الصراعات السياسية كونها خشبة الخلاص والمرجع الصالح في أي خلل أمني قد يشهده لبنان على خلفية ما يحصل من صراعات سياسية.

ويعني ذلك أيضا أن الدولة اللبنانية برمتها تتجه نحو الانهيار، فالحكومة في علم الغيب، والصراعات السياسية على أشدها، والاقتصاد على كف عفريت، والبيئة في أسوأ حالاتها، والصحة في خبر كان، والسياحة معدومة، ومؤسسات الدولة محاصرة بالفساد والهدر والصفقات والسمسرات، ومصلحة المواطن وجهة نظر، والأمن يترنح على وقع الخلافات، ولم يبق هناك بصيص أمل سوى بعض الأجهزة الأمنية والعسكرية، التي أدخلها السياسيون أمس في خلافاتهم فوقعت في المحظور الذي كاد أن يؤدي الى ما لا يحمد عقباه.

من المفترض أن القضاء قد وضع يده على ما حصل في مطار بيروت، وقد باشر المدعي العام العسكري تحقيقاته، فهل سيترك السياسيون للقضاء أن يأخذ مجراه وأن يعاقب المسؤولين عن تلك المهازل، أم أن التدخلات ستكون مباشرة لترسم خطوط حمراء لحماية المحسوبين على هذا التيار أو ذاك، أم أن تلك التيارات ستتنافس في حماية المحسوبين عليها، فينتصر الأقوى، وتضيع هيبة القضاء أيضا، ليبقى لبنان من دون مؤسسات، فيما السلطة غارقة في حصصها ومكاسبها ومصالحها..

Post Author: SafirAlChamal