سيف التوطين يقترب والحكومة تتلهى بجنس الملائكة… عبد الكافي الصمد

أوحت أغلب التطورات في المنطقة أن “صفقة القرن” التي تبناها الرئيس الأميركي دونالد ترامب سائرة نحو خط النهاية، إذا لم تواجه بمقاومة ورفض شعوب ودول المنطقة لها، لأنها تقوم على إعلان نهاية القضية الفلسطينية مقابل قيام دولة يهودية على  كامل فلسطين المحتلة، ما يعني تلقائياً إلغاء حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم وتوطينهم في الدول العربية التي يقطنون بها.

هذه الصفقة بدأت معالم كثيرة مرتبطة بها تظهر على أرض الواقع، من إعلان القدس عاصمة لدولة الكيان الصهيوني، ثم تبنّي الولايات المتحدة لهذا القرار خلال العام الجاري بعد أن وافق ترامب على هذا القرار، تمهيداً لنقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، وصولاً إلى إعلان الإدارة الأميركية وقفها المساعدات المالية المقدمة لوكالة الأونروا، ما يهدد أكثر من 10 ملايين فلسطيني تقوم الأونروا بمساعدتهم ورعايتهم صحياً وإجتماعياً وتربوياً، موزعين وفق إحصاء الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني الصادر عام 2018، بين الضفة الغربية (3.1 ملايين) وقطاع غزة (1.9 مليون) والأردن (4 ملايين) وسوريا (656 ألفاً) ولبنان (547 ألفاً)، بالتيه والتشرد من جديد، وتحوّلهم إلى عبء وقنابل موقوتة حيثما يقيمون، بشكل ستكون إنعكاساته السلبية والخطيرة أكبر بكثير من تداعيات نزوحهم من أراضيهم الى دول الجوار بعد نكبة عام  1948 ونكسة عام 1967.

إقتراب إعلان قرار “صفقة القرن” تبلغته أغلب حكومات الدول المعنية بالأمر في المنطقة، من موفدين وسفراء الولايات المتحدة فيها، وهو ما دفع بعض هذه الدول إلى اتخاذ بعض الإجراءات للتخفيف من تداعيات هذا القرار عليها، وليس من أجل مواجهته وإسقاطه وحشد الدعم العربي والإسلامي والدولي لهذه الغاية.

بعض هذه الاجراءات إتخذتها دول خليجية مؤخراً، بعد تبلغها بالقرار الأميركي، عندما أبلغت الفلسطينيين المقيمين على أراضيها رفضها الإعتراف بوثائق اللجوء التي يحوزونها والصادرة عن الأونروا، ومنع حامليها من دخول هذه الدول، داعية إياهم إلى استبدالها، ضمن فترة زمنية لا تتعدى الأشهر، بجوازات سفر صادرة عن السلطة الفلسطينية في إجراء يهدفون من ورائه الوصول إلى هدف رئيسي لهم، وهو تصوير الفلسطينيين الموجودين في بلدانهم على أنهم مقيمين وليسوا لاجئين، ما يبعد “سيف” التوطين عن رقابهم.

لكن لبنان، بصفته بلداً معنياً بشكل مباشر بالقضية لوجود أكثر من نصف مليون فلسطيني على أرضه، لم يتخذ أي إجراءات لمواجهة مخاطر إستحقاق التوطين المقبل، أو في تحصين ساحته الداخلية ترقباً لـ”صفقة القرن” وتداعياتها، بفعل الشلل الحكومي، والإنقسام السياسي والطائفي حيال هذا الموضوع.

وفي حين أعلنت الحكومة السورية، برغم الحرب الدائرة في البلاد والأوضاع الصعبة التي تعيشها، إنها سوف تتكفل دفع كل المبالغ التي كانت تدفعها الأونروا للفسطينيين المقيمين على أرضها في قطاعي الصحة والتعليم تحديداً، فإن أحداً في لبنان لم يفكر أو يضع خطة لمواجهة خطر إمكانية رمي عشرات آلاف الطلاب الفلسطينيين في الشوارع في حال أغلقت الأونروا المدارس العائدة لها نتيجة عدم وجود أموال، ولا كيفية تأمين الطبابة للاجئين الفلسطينيين في لبنان، وهو الذي لا تؤمن الدولة فيه لأبنائها الحدّ الأدنى من هذين المجالين الحيويين.

كل ذلك يجري بينما أهل السطلة في لبنان يتلهون بجنس الملائكة، ويتخاصمون حول كيفية تقاسم “كعكعة” المغانم والحقائب والتعيينات، بينما البلد برمته على وشك الوقوع في مستنقع لا يبدو أن الخروج منه سيكون بلا دفع أثمان باهظة جداً.

Post Author: SafirAlChamal