الحريري يستقوي بالطائفة السنية.. لتعويض ضعفه… عبد الكافي الصمد

منذ تكليفه تأليف الحكومة في 24 أيار الفائت، يبدو رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري تائهاً وسط التيارات السياسية والأمنية التي تضرب لبنان والمنطقة وتتصارع عليهما، وواقعاً بين فكّي كماشة حلفائه وخصومه على حدّ سواء.

هذا التيه الذي يعانيه الحريري ليس وليد ساعته، بل نتيجة تراكم الأخطاء السياسية التي ارتكبها منذ دخوله الحياة السياسية اللبنانية منذ 13 عاما ونيّف بعد اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، والذي بلغ ذروته يوم أعلن استقالة حكومته من السعودية في 4 تشرين الثاني 2017، بعد احتجاز قسري في المملكة إستمر 14 يوماً، قبل أن تسهم ضغوط لبنانية وفرنسية تحديداً في إخراجه من السعودية إلى باريس ثم بيروت، التي عاد منها عن إستقالته.

لكن معاناة الحريري لم تنته بخروجه من السعودية ومن ثم العودة إلى لبنان، بل هي استمرت فصولاً في ما بعد، وترجمت بشكل واضح في انتخابات 6 أيار الماضي، عندما استطاع 10 نواب من خصومه داخل البيت السنّي كسر آحاديته في تمثيل الطائفة السنّية، ملحقين به أكبر هزيمة منذ قرابة عقد ونصف، ووضعوه أمام واقع صعب لم يكن يتوقعه ولا يرغبه.

بعد تكليفه تأليف الحكومة قبل أكثر من 115 يوماً، برزت عند الحريري معاناة جديدة، وبدا التيه عليه أكبر ممّا كان في السابق، وأظهرت ممارساته ومواقفه وتحركاته أنه الأضعف من بين القوى السياسية اللبنانية الرئيسية التي تطبخ تأليف الحكومة، من التيار الوطني الحرّ إلى الثنائي الشيعي المتمثل بحزب الله وحركة أمل، وصولاً إلى القوات اللبنانية والحزب التقدمي الإشتراكي.

خلال هذه المدّة شعر الحريري بـالضعف السياسي، خصوصاً بعدما لوّح له خصومه بأن تكليفه تأليف الحكومة ليس مفتوحاً إلى ما لا نهاية، وإنه إذا تعذّر عليه تشكيلها فيجب أن يعتذر عن تكليفه، وعندها سيجري رئيس الجمهورية إستشارات نيابية ملزمة جديدة، فإما أن يعاد تكليفه مجدداً، أو يكلف سواه لهذه المهمة.

هنا أحسّ الحريري بأن موقعه بات مهدّداً، فلجأ إلى الإستنجاد بطائفته، من خلال شدّ عصبها وتصوير الأمر وكأنه محاولة للنيل من موقع السنّة الأول والأبرز في الدولة اللبنانية وهو موقع رئاسة الحكومة، وإن كان ذلك سيؤدي إلى توتر سياسي ومذهبي لن يخرج في النهاية منه لا الطائفة السنّية ولا أبنائها رابحين منه.

وحقيقة الأمر هي أن ممارسة الرئيس الحريري في السلطة، وتقديمه التنازل تلو الآخر إلى خصومه، مقابل إبقائه في رئاسة الحكومة، وضمانه حصصه ومصالحه الشخصية ومصالح مقربين منه، ولو على حساب الطائفة والبلد، هي التي جعلت الموقع ضعيفاً، ودفعت عدة فرقاء سياسيين يوجهون إليه الإتهام بأنه يتحمّل مسؤولية “إضعاف” الموقع، وأنه يتحمّل دون سواه مسؤولية ما آلت إليه الأمور.

ومع ذلك، وتعبيراً عن أزمته وليس تواضعاً سياسياً منه ولا اعترافاً بأدوار سواه في الطائفة السنّية، بمن فيهم خصومه فيها الذين سمّاه أغلبهم لتأليف الحكومة إبان الإستشارات النيابية، بادر الحريري للإستنجاد برؤساء الحكومات السابقين لدعمه وتعزيز موقعه، وهو الذي لم يلتفت إليهم يوماً، ولم يعترف بوجودهم السياسي، وحاربهم بضراوة بهدف تطويعهم أو إلغائهم في كل الإستحقاقات، وتجاهلهم يوم كان في موقع قوة، وكأنه يقول لهم لقد أخطأتم بدعمي والوقوف إلى جانبي.

ففي الإنتخابات النيابية حاول جاهداً إسقاط خصومه السياسيين ضمن الطائفة ولم يستطع، وهو يرفض اليوم توزيرهم في حكومته متمسكاً لنفسه وتياره بحصّة الطائفة السنّية كاملة، ولم يشاورهم في أمور الطائفة، خصوصا ما يتعلق بانتخابات المفتيين وعدم التمديد لهم، كما حصل مؤخراً، ضارباً بعرض الحائط كل الطروحات والاراء بضرورة إجراء إنتخابات الافتاء في موعدها وعدم تأجيلها، وغير مبالٍ بكل الإعتراضات التي صدرت في هذا الإطار.

Post Author: SafirAlChamal