تمديد ولاية الشعار بالاكراه السياسي… غسان ريفي

سدد الرئيس سعد الحريري “فاتورته” السياسية الى مفتي طرابلس المنتهية ولايته مالك الشعار مع “إكرامية” على الخدمات الجلّى التي قدمها إليه لا سيما خلال الانتخابات النيابية الماضية، فلم يكن التمديد الموعود لسنة واحدة فقط، بل أضيف إليها ثلاثة أشهر، حيث باتت الولاية الممدة تنتهي في 31 كانون الأول عام 2019.

سدد الحريري الفاتورة للشعار، ولكن الثمن كان من حساب مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان، ومن رصيد دار الفتوى التي إهتزت صورتها بقرار تمديد مرفوض شعبيا ومدنيا وعلمائيا وشرعيا وسياسيا، كونه لا يستند الى القانون وإنما على ضغوطات مورست على المفتي دريان ورضخ لها، وبات عليه اليوم أن يستعد لمواجهة “الهزات الارتدادية” الناتجة عن قراره من تداعيات سلبية على الدار وعلى إستقلاليتها وصورتها وحضورها وهيبتها.

حتى بعد ظهر أمس كانت كل الآمال معقودة على صلابة المفتي دريان، في أن يجنب نفسه ودار الفتوى كأس التمديد المرة، خصوصا أنه وفي جلسات كثيرة علنية وخاصة، كان يشدد ويؤكد على تطبيق القوانين وإحترام المهل، وعلى عدم تمديد ولاية الشعار، وهذا الأمر لم يكن مستغربا بالنسبة لكثيرين ممن سمعوا هذا الكلام، خصوصا أن العلاقة بين دريان والشعار لطالما إتسمت بالتوتر، لكن هذه الآمال ما لبثت أن تلاشت وخابت مع صدور قرار التمديد الذي يرى كثيرون أنه صدر بالاكراه السياسي ولم يحترم إرادة المجلس الاسلامي الشرعي الأعلى مجتمعا.

يمكن القول أن ثمة تخبط وتناقض واضحين بين توجهات المفتي دريان تجاه المفتي الشعار  وبين قرار التمديد الذي إتخذه لصالحه، خصوصا أنه ضرب بعرض الحائط إعتراضات أعضاء المجلس الاسلامي الشرعي الأعلى في طرابلس والشمال بالاضفة أعضاء من بيروت وصيدا الذين وجهوا له أكثر من رسالة ناشدوه فيها تطبيق القانون وحماية المؤسسة الدينية الأم من السهام والانقسام، وهو أيضا لم يُقم وزنا لكل الأصوات السياسية والمدنية والعلمائية والشرعية في المدينة وخارجها والتي طالبته بعدم التمديد للشعار حفاظا على دار الفتوى وحرصا على مقام المفتي، ودعته الى اتباع الخطوات القانونية التي تقضي بتكليف أمين الفتوى الى حين إجراء الانتخابات، وبالتالي فإن قراره أظهر بأن السياسة هي التي تتحكم بدار الفتوى، وبأن مفتي الجمهورية لم يعد على مسافة واحدة من جميع أركان طائفته.

منذ صدور قرار التمديد للشعار وحالة من الغضب تجتاح السواد الأعظم من أبناء طرابلس على ثلاثة مستويات:

أولا: غضب على الرئيس سعد الحريري الذي تعاطى مع هذا الاستحقاق إنطلاقا من مصلحته الشخصية، وليس من مصلحة دار الفتوى والمسلمين ومقام المفتي الذي من المفترض أن يبقى منزها عن التدخلات السياسية وأن يبقى مصانا عن أية تجاذبات.

ثانيا: غضب على المفتي دريان الذي رضخ للاملاءات السياسية على حساب مصلحة المدينة وأهلها، وسار بعكس توجهات وتمنيات الأكثرية الطرابلسية الرافضة جملة وتفصيلا للتمديد والساعية الى إحداث نفضة في دار الفتوى تساهم في إطلاق مسيرة التطور والتقدم فيها، وفي تبديل النهج القائم على الكيدية والتعاطي السيء مع المشايخ والعلماء.

ثالثا: غضب على المفتي مالك الشعار كونه شرّع أبواب دار الفتوى للتدخلات السياسية، وضرب هيبة مقام المفتي بسعيه بكل ما أوتي من علاقات وإمكانات وإلتزام سياسي خلف التمديد، الذي سيؤدي الى تحويل المفتي من محضن جامع لكل مكونات المدينة الى طرف سياسي يفتح جبهات متعددة مع القيادات السياسية الرافضة لاستمرار وجوده في دار الفتوى التي ستكون خلال فترة التمديد المقبلة ضحية تجاذبات من العيار الثقيل، يتحمل مسؤوليتها الشعار، خصوصا أنه بات للرئيس الحريري في ذمته فاتورة جديدة عليه أن يسددها بالسياسة والولاء.

يقول بعض المطلعين والمعنيين: إن قرار التمديد لا يمت الى القانون بصلة، وأن المفتي دريان يعلم ذلك تماما، خصوصا أنه في متن القرار إعتمد على ما أسماه “المصلحة الدينية” وليس على بنود القانون، كما أنه إستأنس بالقرارين الصادرين عن المجلس الشرعي في تمديد ولاية مفتيي المناطق، ولم يستند الى تفويض، أو الى أي من المراسيم الاشتراعية، ويرى هؤلاء أن القرار قانونا ضعيف جدا ومرفوض، وأنه سيكون عرضة لسلسلة من الطعون أمام مجلس شورى الدولة الذي قد يعيد الأمور الى نصابها، وعندها فلتتحمل الجهة السياسية المعنية بالتمديد، مسؤولية زعزعة المؤسسة الدينية الأم، وضرب النسيج الاسلامي السني في لبنان.

Post Author: SafirAlChamal