وزراء لبنانيون في دمشق.. عودة المياه إلى مجاريها؟… عبد الكافي الصمد

هي المرة الأولى التي يزور فيها، أربعة وزراء لبنانيون سوريا دفعة واحدة منذ أكثر من عقد ونيّف، ليكسروا بذلك جداراً سميكاً من الخلافات والتباعد إرتفع بين البلدين منذ عام 2005، في أعقاب إغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط من ذلك العام، ثم انسحاب القوات السورية بعده بنحو شهرين، ما أدى حينها إلى ما يشبه القطيعة الرسمية بين البلدين، لم تخرقها سوى زيارة الرئيس سعد الحريري إلى دمشق أيام توافق “سين سين”، في 19 كانون الأول 2009، والتي استمرت ليومين، قبل أن تتأزم العلاقات بين البلدين إثر ذلك بعد اندلاع شرارة الأحداث في سوريا في 15 آذار من عام 2011.

خلال هذه الفترة كان أي وزير أو نائب أو مسؤول لبناني يزور سوريا يُتهم بأبشع التهم، ويُرمى عليه الحُرم السّياسي من قبل تيار المستقبل وحلفائه في فريق 14 آذار، سواء كانت الزيارة خاصة أم رسمية، بعدما بلغ عداء بعض القوى السياسية تجاه سوريا حدوداً لم يسبق للعلاقات بين البلدين أن عرفتها من قبل.

لكن الزمن لم يكن وحده كافياً بتراجع حدّة هذا العداء السياسي من قبل البعض لسوريا، بل العقلانية السياسية والمنطق وتداخل العلاقات والمصالح بين البلدين، بالتزامن مع إسترجاع الجيش السوري نحو ثلاثة أرباع المناطق التي سيطر عليها المسلحون والمعارضون له في سنوات الحرب، وانفتاح دول إقليمية ودولية على سوريا لأهداف وغايات سياسية وإقتصادية وأمنية، جعلت فرقاء سياسيون لبنانيون لا يتردّدون في المبادرة لإعادة المياه إلى مجاريها بين سوريا ولبنان، إنسجاماً مع مواقفهم السياسية وواقع التاريخ والجغرافيا الذي يحكم العلاقة بين البلدين، مستغلين أول فرصة تسنح أمامهم لهذه الغاية.

هذه الفرصة سنحت يوم أمس، بالتزامن مع افتتاح الدورة الستين من معرض دمشق الدولي، إذ لم يتردد أربعة وزراء، هم وزير الصناعة حسين الحاج حسن، ووزير الزراعة غازي زعيتر، ووزير الأشغال العامة والنقل يوسف فنيانوس ووزير السياحة إفيديس كيدانيان، في تلبية دعوة نظرائهم السوريين للمشاركة في افتتاح الجناح اللبناني في المعرض الذي تعرض فيه نحو 60 شركة ومؤسسة إنتاجية وصناعية في مجالات إعمارية وصناعية وهندسية وتكنولوجية.

وبرغم من أن تيار المستقبل اعتبر، أمس، على لسان مصادر مقربة منه أن زيارات وزراء إلى سوريا هي “تصريف أعمال وعلاقات سياسية بزي وزاري، وزيارات تلزم أصحابها فقط ولا تلزم الحكومة ورئاستها وأفرقائها كافة”، فإن ما يلفت في الزيارة نقطتين:

الأولى أن الوزراء الأربعة الذين زاروا سوريا أمس يمثلون أربع كتل سياسية وازنة داخل الحكومة ومجلس النواب، ولها حضورها الشعبي الواسع، وهي حزب الله، وحركة أمل، وتيار المردة، وتحالف التيار الوطني الحرّ وحزب الطاشناق، وهؤلاء يمثلون أكثر من نصف الشعب اللبناني، وبالتالي فإن أي اتهام لهم كما كان يحصل سابقاً من خصوم سوريا لن يكون مجدياً أو أنه سيكون له صد، كما أن أي انتقاد لزياراتهم سيقابل بردود قاسية سيجعل أي جهة سياسية تهاجمهم وتنتقد زيارتهم تعدّ للألف قبل قيامها بذلك.

أما النقطة الثانية، فهي أن المعرض يُشكل مناسبة لدخول الشركات اللبنانية الى سوريا من أجل المشاركة في إعادة إعمارها. وما مشاركة أكثر من 60 شركة ومؤسسة في الجناح اللبناني، وأكثر من 400 رجل أعمال لبناني، إلا دليلاً على ذلك؛ وإذا كانت أغلب هذه الشركات والمؤسسات اللبنانية محسوبة على الفريق السياسي الحليف لسوريا، فإنه ليس خافياً أن الشركات والمؤسسات الأخرى، المحسوبة على الفريق المعادي لسوريا، تتحسر على غيابها، وهي كانت تمني النفس بأن تكون حاضرة في المعرض، لتنال حصة ولو بسيطة من كعكة مشروع إعادة إعمار سوريا، وهو المشروع الذي ينظر إليه اللبنانيون كافة على أنه المخرج الوحيد للبنان من أزماته الإقتصادية والمعيشية الخانقة التي يعيشها في هذه الأيام.

Post Author: SafirAlChamal