لا حكومة.. وحرب صلاحيات في الوقت الضائع… غسان ريفي

في الوقت الذي دخلت فيه الصيغة الحكومية المبدئية التي قدمها الرئيس المكلف سعد الحريري الى رئيس الجمهورية يوم الثلاثاء الفائت الى أدراج المكتب الرئاسي في قصر بعبدا، فُتح الباب على مصراعيه أمام ″حرب صلاحيات″ بهدف الاستفادة من الوقت الضائع، والإستمرار في شراء الوقت، وإلهاء اللبنانيين الذين يدفعون ثمن الصراعات والتجاذبات السياسية على الحصص والمكاسب من لحمهم الحيّ.

يمكن القول أن خطوة الرئيس الحريري الحكومية، والبيان الرئاسي الذي أعقبها، قد حرف الأنظار عن الحكومة مؤقتا، وأدخل البلاد في ″جدل بيزنطي″ قد لا ينتهي، بين من يريد فرض أعراف جديدة، وإستخدام ″العهد القوي″ لوضع اليد على بعض الصلاحيات والحصول على حصة وازنة تجعله المتحكم الأول في مصير الحكومة، وبين من يسعى الى حماية هذه الصلاحيات التي كرسها الدستور لرئيس الحكومة، والحفاظ على التوازنات التي تعتبر صمام أمان الوحدة الوطنية والسلم الأهلي في لبنان.

يعني ذلك، أن الجمود سيكون سمة المرحلة المقبلة، في ظل الجدران التي ترتفع يوما بعد يوم أمام ولادة الحكومة التي يبدو واضحا أنها باتت أسيرة العقدة المسيحية بالدرجة الأولى، خصوصا في ظل الحديث المتنامي من نواب التيار الوطني الحر ومن المقربين من الرئيس ميشال عون بأن البرنامج الاصلاحي والتغييري لا يمكن أن يطبق أو أن يبصر النور إذا لم يكن هناك حضورا حكوميا وازنا لفريق رئيس الجمهورية يبدأ بـ″الثلث المعطل″ الذي يحاول من خلاله الوزير جبران باسيل تحقيق طموحاته السياسية والرئاسية وضرب أكثر من عصفور بحجر واحد.

تشير المعلومات الى أن الرئيس الحريري وضع باسيل خلال اللقاء الذي جمعهما ظهر الثلاثاء المقبل في بيت الوسط في أجواء صيغته الحكومية المبدئية وقد قابلها الأخير بالرفض، لكن الحريري أصر على تقديمها الى رئيس الجمهورية الذي تؤكد المعلومات أنه كان إيجابيا تجاهها، مع إبداء بعض التحفظات التي يمكن أن تجد طريقها نحو المعالجة بالتوافق بين الرئيسين، وذلك قبل صدور البيان الرئاسي الذي أشعل حرب الصلاحيات وفاجأ الرئيس الحريري الذي كان عبر عن إرتياحه وتفاؤله بلقاء الرئيس عون، وما تلا ذلك من محاولات نيابية ـ عونية لقطع الطريق على هذه الصيغة، ووصفها بأنها قدمت من باب ″رفع العتب″، ما يطرح سلسلة تساؤلات لجهة: هل هناك تبادل أدوار بين رئيس الجمهورية وصهره ونوابه؟، أم أن باسيل سعى الى قطع الطريق على التفاهم بين الرئيسين عون والحريري حول تعديل الصيغة المقترحة؟، وهل جاء البيان الرئاسي ردا على صيغة رئيس الحكومة المكلف؟، أم أنه جاء ردا على موقف حزب الله على لسان نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم الذي إعتبر أنه ″واهم من يريد أن يربط حصته الحكومية بالوصول الى رئاسة الجمهورية؟، أم أن ثمة توافق ضمني بين الحريري وباسيل على إلهاء الناس وشراء المزيد من الوقت للتملص من بعض الالتزامات السياسية وذلك قبل إنضاج التشكيلة الحكومية؟، أم أن الأمر ما يزال مرتبطا بالتطورات السورية وبمعركة إدلب على وجه الخصوص؟″.

في كل الأحوال، ما هو ظاهر للعيان اليوم، أن الرئيس الحريري رمى الكرة في ملعب رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر، وأحاط نفسه بشبكة أمان سنية ترجمت ببيان رؤساء الحكومات السابقين وبمواقف متقدمة من قيادات سنية مختلفة أبدت إصرارها على التمسك بصلاحيات رئيس الحكومة، فضلا عن دعم واضح من القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، في حين يبدو واضحا أن الخطوات التي يقوم بها الوزير جبران باسيل لا تروق للثنائي الشيعي لا سيما في ما يتعلق بالاصرار على ″الثلث المعطل″.

أمام هذا الواقع تتخوف مصادر سياسية مطلعة من أن يكون باب تشكيل الحكومة قد أقفل بشكل محكم، وأن إعادة فتحه تتطلب صدمة إقليمية كبرى، أو حدث أمني أو إقتصادي محلي، أو فوضى عارمة تنتهي بالمؤتمر التأسيسي الذي يطل برأسه بين الحين والآخر.

Post Author: SafirAlChamal