لبنان والنّازحين السّوريين: تناقض يعكس حسابات السّياسة الخاطئة…عبد الكافي الصمد

كان أمس يوماً لافتاً لجهة قيام عدد لايستهان به من النازحين السوريين الموجودين في لبنان  بعودتهم طوعياً إلى بلادهم، بعد استتباب الأمن في أقسام واسعة منها، وإعادة الجيش السوري الإستقرار إليها، بالتزامن مع إنهاء وجود المجموعات المسلحة فيها، ما شجّع أفراداً وعائلات سورية مقيمة في لبنان للعودة إلى مناطقهم التي نزحوا منها قسراً.

أربع تجمعات إحتشد فيها مئات النازحين السوريين منذ ساعات صباح أمس، في طرابلس والنبطية وبرج حمود وشبعا، بإشراف عناصر الأمن العام الذين عملوا على تسهيل عودتهم بعد تأكدهم من الأوراق الثبويتة لديهم، ومرافقتهم حتى المعابر الحدودية بين لبنان وسوريا، سواء في الشمال (الدبوسية والعريضة) أو البقاع (المصنع).

مشهد عودة النازحين السوريين إلى بلادهم، ولو تدريجاً، لا يلقى إرتياحاً لدى بعض القوى والتيارات والشخصيات السياسية في لبنان، خصوصاً من قبل خصوم سوريا، ممّن ينضوون في صفوف فريق 14 آذار وتيار المستقبل، الذين لديهم أجندتهم الخاصة المرتبطة بأجندات خارجية لا تصبّ غالباً في مصلحة لبنان وسوريا معاً.

فعند اندلاع شرارة الأزمة السورية في آذار 2011، وما تبعها من تمدّد نار الحرب إلى أغلب المناطق السورية تقريباً، الأمر الذي نتج عنه موجات نزوح كبيرة للسوريين من بلادهم باتجاه دول الجوار، وتحديداً تركيا ولبنان والأردن، كان خصوم سوريا في لبنان يكشفون بوضوح عن آمالهم في إسقاط النظام في سوريا، ودعمهم على اختلافه لأي طرف معادٍ للنظام.

أحد الامثلة على ذلك حينها كان مسارعة نواب وشخصيات سياسية من فريق 14 آذار وتيار المستقبل إلى الحدود، لاستقبال وفود النازحين ومساعدتهم في عبور النقاط الحدودية، معلنين ترحيبهم الحار بهم وفتح منازلهم وقلوبهم لهم، على أمل عودتهم معهم إلى سوريا بعد إسقاط النظام فيها، وفي اقرب فرصة.

لكن سرعان ما خاب ظنّهم، فالنظام صمد ولم يسقط، لا بل إنه بعد مرور 3 سنوات تقريباً شرع في استعادة المناطق التي خسرها من المسلحين، جعله حالياً يبسط سيطرته على أكثر من 75 % من الأرض السورية، كما أن الجزء المتبقي في طريقه للإنضواء تحت خيمة الدولة السورية.

خلال هذه الفترة كانت أزمة النّازحين تكبر شيئاً فشيئاً، وما جرى تجاهله مسبقاً من قبل هذا الفريق السياسي تنبّه له كثيرون في وقت لاحق، ولكن بعد فوات الأوان، ذلك أن وجود قرابة مليوني نازح سوري في لبنان، بلا تنظيم ولا ضوابط، ترك تداعيات إقتصادية وإجتماعية قاسية، وبثّ مخاوف أمنية بالغة الخطورة.

وبرغم ذلك، فإنه عندما بدأت تلوح بوادر عودة بعض النازحين السوريين إلى بلادهم، خرج بعض خصوم سوريا في لبنان يعلنون رفضهم هذه العودة، تحت حجج إنسانية وسواها، أو أن يجري لبنان مفاوضات مع الحكومة السورية لهذه الغاية بحجّة أنهم لا يريدون إعطاء شرعية للنظام في سوريا، بالرغم من أنهم يشكون دائماً من الآثار السلبية لوجود هذا العدد الهائل من النازحين السوريين في لبنان، ويطالبون بإيجاد حل لهم.

هذا التناقض في المواقف كان خير من يُعبّر عنه وزير الدولة لشؤون النازحين في حكومة تصريف الأعمال معين المرعبي، سواء في مواقفه السياسية، أو خلال لقاءاته مع المسؤولين الدوليين الذين كانوا يزورون لبنان لبحث ملف النازحين السوريين فيه.

ففي آخر تصريح له يقول إن “المناطق اللبنانية النائية التي تستضيف الغالبية الكبرى من النازحين، حيث يرتفع يومياً بشكل مضطرد الضغط على البنى التحتية المنعدمة أساساً، يزيد التنافس على الخدمات العامة وفرص العمل بين المجتمعات المضيفة والنازحين”، بعدما كان قد انتقد في تصريح سابق له “التهويل والشعبوية من قبل بعض القوى السياسية في لبنان، عبر تحميل النازحين السوريين تبعات كل المشكلات المتعلقة بالبنى التحتية والبطالة”، معتبراً أنه “من السذاجة والظلم تحميل النازحين وزر ذلك، وتجاهل ما يتم ضخّه في الإقتصاد اللبناني من مساعدات دولية للاجئين، والتي تشكل قرابة 2 مليار دولار أميركي”!

Post Author: SafirAlChamal