الحريري ينتظر ″غودو″: هل تأتي ″سين ـ سين″ جديدة لمساعدته؟…عبد الكافي الصمد

أمضى الرئيس سعد الحريري أمس 73 يوماً على تكليفه تأليف الحكومة من قبل رئيس الجمهرية ميشال عون في 24 أيار الماضي، بعدما نال ثقة 111 نائباً، وهي المدة الزمنية ذاتها التي أمضاها بعد تكليفه تأليف الحكومة غداة الإنتخابات النيابية التي جرت صيف عام 2009.

الحريري عامها إعتذر عن التكليف قبل أن يجري تكليفه مرة ثانية، إستطاع بعدها تاليف الحكومة إثر مرور قرابة 3 أشهر، لكنه اليوم غيره عام 2009، فعامها إعتذر عن متابعة مهمة تأليف الحكومة، بينما اليوم يغادر إلى خارج لبنان في زيارة خاصة. هي ليست المرة الأولى التي يسافر فيها إلى خارج البلاد منذ تكليفه، واعداً أن يعاود مهمة تأليف الحكومة بفاعلية أكبر بعد عودته، لكن الأمور تستمر تراوح مكانها بسبب التعقيدات السياسية الكثيرة التي يواجهها داخلياً وخارجياً، ما يجعل الحريري غير قادر على الخروج من الحلقة المفرغة العالقة فيها حكومته المنتظرة.

ومن باب التذكير، فقبل تسع سنوات ونيّف، وتحديداً في 27 حزيران 2009، وبعد مرور 20 يوماً على استحقاق الإنتخابات النيابية التي جرت ذلك العام، أجرى رئيس الجمهورية (في حينها) ميشال سليمان إستشارات نيابية ملزمة، أفضت إلى تسمية الحريري رئيساً مكلفاً تأليف الحكومة بأكثرية 86 صوتاً، لكنه اعتذر عن تأليفها في 10 أيلول 2009، بعد مرور 73 يوماً على تكليفه، بسبب “عراقيل” قال إنه واجهها في طريقه، ما دفع سليمان لكي يجري إستشارات نيابية ملزمة جديدة في 16 أيلول، أفضت كذلك إلى تسمية الحريري، إنما بأصوات 73 نائب هذه المرة، ساعدته بعد قرابة 3 أشهر ـ في 12 كانون الأول 2009 ـ في تأليفه أولى حكوماته.

غير أن الحريري لم يُقدْم على عمل مماثل لما قام به قبل تسع سنوات، لأنه يدرك جيداً أنه في حال اعتذاره فإن أمر تكليفه مرة ثانية ليس مضموناً، لأنه ببساطة لم يعد الزعيم السنّي الأوحد الذي توجّته إنتخابات 2009، بل بات هناك كثر ينافسونه بالجلوس مكانه على كرسي الرئاسة الثالثة، وهو ما كشفته بوضوح كبير إنتخابات 2018 التي فاز فيها خصوم الحريري بعشرة مقاعد نيابية من أصل 27 مقعداً مخصصاً للطائفة السنّية في مجلس النواب، و40 % من أصوات النّاخبين السّنة.

التعقيدات الكثيرة التي تمنع الحريري اليوم من تأليف الحكومة بات واضحاً أنها تعود إلى صراع نفوذ سياسي سوري ـ سعودي واسع في المنطقة، بات لبنان إحدى ساحاته الرئيسية، كما الحرب التي شارفت على نهايتها في سوريا، ما يعني أن ولادة الحكومة لن تكون ممكنة، في ظل احتدام الصراع بين دمشق والرياض على الساحة اللبنانية، إلا بتوافق الطرفين على “تفاهم” بينهما يشبه تفاهم “سين ـ سين” الشهير في عام 2009، الذي جعل الحريري يذهب إلى دمشق برعاية سعودية، ولقاء الرئيس السوري بشار الأسد أكثر من مرّة، وأرسى تهدئة سياسية كانت ثمرة توافق إقليمي تُرجم محلياً.

اليوم يبدو الحريري وكأنه ينتظر تفاهماً سياسياً جديداً على شاكلة “سين ـ سين”، للخروج من عنق الزجاجة. فلا هو قادر على تأليف الحكومة، وكذلك الإعتذار عن تأليفها، مع خشية أن يكون إنتظاره هذه المرة عبثاً على طريقة “غودو” الذي لا يأتي أبداً، مع ما يحمله ذلك من تداعيات، لأن أي بوادر لتفاهم سياسي جديد بين دمشق والرياض لم تظهر بعد في الأفق القريب.

Post Author: SafirAlChamal