الحريري يُمهّد لخروجه من السرايا الحكومي: مُكرهاً أم مُحرجاً؟…عبد الكافي الصمد

هل يُمهّد الرئيس المُكلّف سعد الحريري الطريق أمام نفسه لتقديم اعتذار عن تكليفه تأليف الحكومة، يُخرجه من السلطة ويُبعده بالتالي عن الرئاسة الثالثة برضاه لفترة من الزمن قد تطول أو تقصر وفق الظروف والتطورات؟

هذا السؤال طرح بقوة في مختلف الأوساط السّياسية اللبنانية منذ مساء أول من أمس، وتوقف عنده المعنيون طويلاً، عندما قال في دردشة مع الصحافيين في أعقاب إجتماع كتلة المستقبل النيابية بمنزله في وسط بيروت، أنه ″من المستحيل أن أزور سوريا، لا في وقت قريب ولا بعيد، حتى وإن انقلبت كل المعادلات، وإذا اقتضت مصلحة لبنان ذلك “فساعتها بتشوفولكم حدا تاني غيري″، وهو موقف جاء في أعقاب تغريدة له لفت فيها إلى أنّ ″بعض السياسيين في لبنان راكضين يروحو عسوريا قبل النازحين… يا سبحان الله، مدري ليش″، في إشارة إلى ذهاب وزراء ونوّاب مؤخراً إلى العاصمة السورية دمشق في زيارات رسمية.

مواقف الحريري هذه التي إستدعت، في الظاهر، إندلاع سجال بين بعض نواب كتلته ونواب وشخصيات معارضة له، لكنها في العمق أشارت بوضوح إلى صعوبات عديدة تعترض الرئيس المكلف يبدو حيالها عاجزاً عن المواجهة، ما جعلته يُفضّل التنحي ثم الإبتعاد عن الواجهة السّياسية في هذه المرحلة، بانتظار ظروف أفضل.

حَسْمُ الحريري رفضه الذهاب إلى دمشق نهائياً، حتى إذا اقتضت مصلحة لبنان ذلك، على حدّ قوله، يُعاكس التبرير الذي قدّمه عندما ذهب إليها عام 2010، والتقاه الرئيس السوري بشار الأسد في قصر المهاجرين، الذي بات فيه ليلة كاملة، حيث برّر حينها ذهابه بـمصلحة لبنان العليا، برغم أنه كان حينذاك يُوجّه إليها أصابع الإتهام باغتيال والده الرئيس رفيق الحريري، فما الذي يجعله اليوم لا يٌقدّم التبرير نفسه لزيارة سوريا مجدداً؟.

في مقارنة بين زيارة الحريري العاصمة السورية قبل ثماني سنوات وضرورة زيارته إليها اليوم، فإن ملفات وقضايا كثيرة تستدعي منه كـرجل دولة الذهاب إليها هذه الفترة، وذلك من أجل معالجة ملفين بالغي الأهمية بالنسبة للبنان، وتستدعي من كل السلطات اللبنانية إيلائهما أقصى درجات الإهتمام والمتابعة والتنسيق مع كل الجهات السورية الرسمية المختصة، وعلى أعلى المستويات.

أول هذه الملفات هو المتعلق بالنازحين السوريين الموجودين في لبنان، والذي بدأت روسيا مهمة إعادة قرابة 900 ألف نازح منهم إلى بلادهم، من أصل قرابة مليونين، وبالتالي فإن حضور السلطات اللبنانية وتنسيقها مع الجانبين الروسي والسوري بهدف تسهيل هذه العودة والإسراع بها، ضروري لتخفيف العبء الكبير الذي يتركه النازحون على لبنان منذ سنوات، وعلى كل المستويات.

ثاني هذه الملفات متعلق بتصدير المنتجات الصناعية والزراعية إلى دول الخليج بعد إعادة فتح معبر نصيب بين سوريا والأردن، حيث عاني التجار والمصدرون اللبنانيون منذ إغلاق المعبر بسبب الأحداث الأمنية في سوريا من صعوبات كثيرة تكبدوا خلالها تكاليف إضافية من أجل تصدير كميات أقل من الإنتاج اللبناني بحراً، وهم يُعوّلون على إعادة التصدير عبر معبر نصيب لتعويض خسائرهم التي تلقوها في السنوات الأخيرة، ولكن آمالهم ومصالحهم تبقى معلقة بقرار الحريري، وبالتالي الحكومة اللبنانية، بالذهاب إلى سوريا من عدمه.

لكن المفارقة التي تلفت النظر في كلام الحريري برفضه كليّاً الذهاب إلى دمشق، فإنه بالمقابل يرفض دعوات تشكيل حكومة أكثرية، ويبدي حرصه على تأليف حكومة وحدة وطنية، إنطلاقاً من حرصه على الإجماع الذي حصلنا عليه والتسوية التي قمنا بها، ولكي يكون كل الأفرقاء في الحكومة، ومن بين هؤلاء حلفاء لسوريا الذين باتوا يملكون الأغلبية في مجلس النواب بعد الإنتخابات الأخيرة؛ فكيف يمكن تفسير مواقف الحريري المتناقضة؟

حقيقة الأمر أن الحريري يجد نفسه اليوم مقيداً بتعقيدات سياسية محلية وخارجية عدة، وهو ينتظر مخرجاً منها على شاكلة مخرج سين ـ سين الشهير، يوم حثّه السعوديون عام 2010 على الذهاب إلى دمشق، فاستجاب للنداء، لكنه اليوم يواجه رفضاً سعودياً، وهذا يجعله محرجاً في الذهاب إلى دمشق، ومفضلاً التنحّي لمصلحة سواه، مبدياً زهداً سياسياً برئاسة الحكومة لم يُعهد عنه من قبل، خصوصا أن حصل يوم إبعاده عن السلطة قبل ثماني سنوات ما يزال في الذاكرة.

مواضيع ذات صلة:

  1. الحريري بين خيارين: تأليف الحكومة أو تحمّل الضغوط… عبد الكافي الصمد

  2. وجهان نقيضان للحريري: أقوى زعيم سنّي وأضعف رئيس حكومة!… عبد الكافي الصمد

  3. الحريري والإعتذار: ترفٌ لا يريده وخشية من إستياء سعودي… عبد الكافي الصمد

Post Author: SafirAlChamal