لم يعد الحديث عن سوء اوضاع بعض السجون اللبنانية بالأمر الجديد، نظرا لكثرة ما تم تداول هذه القضية عبر وسائل الاعلام المحلية وحتى العالمية، من دون ان يحرك ذلك ساكنا لدى المسؤولين لإيجاد حلول ناجعة بدلا من عمليات ″التجميل″ التي تحصل من وقت لآخر وعوضا عن محاولات الدفاع التي ينبري لها بعض المسؤولين في معرض الرد على الانتقادات .
لعل سجن القبة هو واحد من تلك السجون التي كانت شهدت حالات تمرد سابقة وربما بحسب السجناء يحتاجها اليوم لاعادة تذكير السلطة السياسية الغارقة في خلافاتها، بالقنابل الموقوتة الموجودة خلف قضبان زنازينه الضيقة والمظلمة التي يقبع فيها سجناء بعدد أمتارها.
وعود كثيرة تلقاها السجناء مع كل انتفاضة او ضغط يمارسونه، لكنها لا تجد ترجمتها على ارض الواقع الا في ما ندر من بعض التحسينات التي لا تغير من واقع الحال الذي يعانيه السجناء الذين عبروا عنه في رسالة حملت الكثير من الشكاوى، لكن اخطر ما كتب فيها هو التوصيف الذي أطلقوه على السجن″غوانتنامو القبة″.
الرسالة التي خَص بها السجناء ″سفير الشمال″ حاولوا من خلالها إعطاء فكرة عن معاناتهم بدءا بواقع السجن حيث أكدوا انهم يعانون الامرين بسبب انقطاع الكهرباء المستمر والازدحام فضلا عن نقص الدواء وعدم تلقي العلاج المطلوب والذي وفق هؤلاء كان تسبب بوفاة احد السجناء قبل ايام.
ولم ينس السجناء التطرق الى ظروفهم الاقتصادية الصعبة التي تحول دون قدرتهم على شراء ما يحتاجونه من السجن بسبب غلاء الأسعار الى أضعاف، مشيرين الى ما يشبه التواطوء بين السجان وصاحب محل البيع في السجن، حيث يمنعون من ادخال الكثير من حاجياتهم لإجبارهم على شرائها من السجن.
أمور كثيرة تطرقت اليها الرسالة، ومنها سوء المعاملة للسجين واهله، خلال المواجهة، فضلا عن انتقاد المحاكمات البطيئة ومطالبتهم بضرورة الإسراع في إيجاد معالجات ناجعة لكثير من ملفات السجناء التي تحتاج الى إدغام في الاحكام، أو الانتقال من دوائر التحقيق الى المحاكم ذات الاختصاص للبت فيها، فضلا عن الغرامات التي تزيد على السجناء سنوات فوق سنوات عقوباتهم لتضاعف من المعاناة.
قد لايختلف سجن القبة عن سجون أخرى تعاني نفس المشاكل من اكتظاظ المساجين الى نقص الخدمات الضرورية، لكن هذا الواقع المأساوي لا ينطبق على سجون أخرى تعتبر ″خمس نجوم″ وهي سجون تقع معظمها في الاقضية، او في مدن أخرى، ويتم نقل السجين ″المدعوم″ اليها، في حين يرمى بالآخرين ولو كانت التهم التي يحاكمون بها مجرد جنحة في سجن القبة، ويتركون لمواجهة مصيرهم، اما بالرضوخ للامر الواقع او الانتقال الى الشغب، وهو ما حذرت منه الرسالة .
يذكر ان سجن القبة الذي يضم حاليا مئات السجناء، هو مبنى قديم وصغير في ثكنة انطوان عبيد الملاصقة لمباني الفروع الشمالية في الجامعة اللبنانية والتي بنيت في عهد الانتداب، حيث كان الجيش الفرنسي يستخدمها كثكنة عسكرية تضم مواقف للسيارات وإسطبلاً للخيول، وقد استمرت هذه المباني على حالها وشهدت إدخال بعض التحسينات عليها لكنها لم تكن كافية لرفع الاهمال عنها