الحريري بين خيارين: تأليف الحكومة أو تحمّل الضغوط… عبد الكافي الصمد

شهران تقريباً مرّا على تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة في 24 أيار الماضي، من غير أن يخرج حتى الآن الدخان الأبيض من قصر بعبدا معلناً التشكيلة الحكومية المنتظرة، ومن غير أن تلوح في الأفق معالم تشير إلى أن مهمّة الحريري تسير على الطريق الصحيح.

وبدلاً من حلّ العقد التي تعترض الحريري وتذليلها لإخراج حكومته إلى النّور، فإن هذه العقد بدأت تتوالد وتتكاثر، لأسباب مختلفة، ما جعل التشاؤم يسيطر على الأوساط السّياسية المختلفة، الذين لا يرون أن الحكومة العتيدة ستولد قريباً.

وينبع عدم التفاؤل بإمكانية تشكيل الحريري حكومته قريباً إلى عوامل عدّيدة، أبرزها الأسباب التالية:

أولاً: تأخّر الحريري في تأليف حكومته حتى الآن، واستمراره يراوح مكانه منذ اليوم الأول لتكليفه، جعل أصواتاً ترتفع تطالب بإعفائه من التكليف، وتسمية شخصية سياسية سنّية سواه لهذه المهمة، وهذه الأصوات لم تأتِ من خصوم الحريري فقط، بل صدرت أيضاً عن حلفائه وأحد أبرز شركائه في المشاورات الجارية لتأليف الحكومة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، الذي وجه أمس رسالة سياسية واضحة في الشكل والمضمون، لأول مرّة، عندما حذر من أنّ ″مهلة تأليف الحكومة بدأت تنتهي بالنسبة إلى جميع الناس الذين بدأ صبرهم ينفد، وأنا منهم″.

ثانياً: يواجه الحريري، من ضمن عقبات كثيرة، عدم قدرته على الحسم، والقول علناً أي حكومة يريد، حكومة أكثرية وأقلية أم حكومة وحدة وطنية، أو التزامه بمعيار واحد لجهة تمثيل القوى السياسية المختلفة في الحكومة، وهل يريد حكومة تعكس حقيقة نتائج الإنتخابات النيابية الأخيرة التي جرت على أساس النسبية، أم يريد تأليف حكومة على نحو إستنسابي؟

ثالثاً: بات واضحاً أن العقد الداخلية التي تحول حتى الآن دون قدرة الحريري على تأليف حكومته، تتوزع بين ثلاث عقد: العقدة المسيحية، العقدة الدرزية والعقدة السنّية، وجميعها ما تزال تدور حتى اليوم في حلقة مفرغة. وإذا كانت قدرة الحريري على حلّ العقدتين المسيحية والدرزية ضعيفة، فإن وقوفه ضعيفاً ومربكاً أمام العقدة السنّية يطرح تساؤلات وشكوكا عديدة حول قدرته على حلّ هذه العقد؛ إذ كيف يمكن لأقوى شخصية سياسية سنّية حالياً أن تفشل في حلّ عقدة تمثيل طائفتها في الحكومة، ثم تستطيع حلّ عقد تمثيل الطوائف الأخرى؟

رابعاً: منذ إعلان الجيش السّوري عن استعادته السيطرة على معبر نصيب الحدودي مع الأردن وتأمينه الطريق الدولي حتى دمشق، وحركة المصدّرين والتجّار اللبنانيين لا تهدأ، وأصواتهم ترتفع يومياً، مطالبين الحكومة اللبنانية بمساعدتهم في إعادة تصدير منتجاتهم الزراعية والصناعية والحرفية برّاً باتجاه دول الخليج، وعبر معبر نصيب تحديداً، ولكن مسعاهم هذا يصطدم بتحفظ الحريري وفريقه السياسي على التواصل مع الحكومة السورية، وبرفض الأخيرة السّماح لأي شاحنة نقل لبنانية عبور أراضيها إلا بعد اتفاق تضعه حكومتي البلدين، ما يعني أن على الحريري الذهاب إلى دمشق لهذه الغاية، وهو في حال رفضه سيواجه بضغوط سيمارسها عليه فئات إقتصادية وتجارية وشعبية واسعة.

خامساً: ما سبق يعني أن أمام الحريري خيارات ضيقة وقليلة وصعبة في آن معاً. إذ يدرك أن تأليفه حكومته وكأنّ إنتخابات 2018 لم تحصل وأن الواقع الإقليمي لم يتغير على الأرض، ضد مصلحته، أمر غير منطقي؛ ورفضه الإعتراف مع فريقه السياسي في لبنان والمنطقة أنهما قد خسرا، يجعل رهانه على عامل الوقت مُكلفاً له، ويستنزفه سياسياً، ويجعل كل يوم يمرّ من غير تأليفه الحكومة خسارة من رصيده الذي يتآكل يوماً بعد آخر.

مواضيع ذات صلة:

  1. وجهان نقيضان للحريري: أقوى زعيم سنّي وأضعف رئيس حكومة!… عبد الكافي الصمد

  2. الحريري والإعتذار: ترفٌ لا يريده وخشية من إستياء سعودي… عبد الكافي الصمد

  3. إعتبارات تمنع الحريري من إقصاء سنّة المعارضة عن حكومته… عبد الكافي الصمد

Post Author: SafirAlChamal