وجهان نقيضان للحريري: أقوى زعيم سنّي وأضعف رئيس حكومة!… عبد الكافي الصمد

يسود الشّارع السنّي في لبنان شعوران متناقضان حيال رئيس الحكومة المُكلّف سعد الحريري، يعبران عن أزمة هذا الشّارع من جهة، وعن أزمة مماثلة يعانيها الحريري من جهة أخرى، وهما أزمتان تشكلان وجهان لعملة واحدة هي أزمة النظام في لبنان، وتداعيات أزمات المنطقة عليه.

التناقض في نظرة سنّة لبنان إلى الحريري تنطلق من أنه، ومنذ اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، يُعتبر الزعيم السنّي الأول والأقوى في لبنان بلا منازع، إلى درجة أن أحداً من القوى السّياسية السنّية لم يستطع منذ 13 عاماً أن يكسر شوكة زعامته، أو أن يتجرأ على أن ينافس زعامته التي قامت على دم والده، وعلى خطاب تحريضي سياسي وطائفي تجاه معارضيه في الداخل والخارج.

هذه الزعامة الآحادية تُرجمت في انتخابات 2005 و2009 عندما اكتسح تيار المستقبل الذي يتزعمه الحريري أغلب المقاعد السنّية إلى جانب مقاعد نيابية أخرى، وجعل عدد نواب كتلته يصل إلى 33 نائباً، وهو رقمٌ لم تستطع أي جهة سياسية أو حزبية تحصيله في تاريخ الإنتخابات النيابية في لبنان.

لكن القوة التي امتلكها الحريري سياسياً ذات حين كانت تحمل في طيّاتها أكثر من نواة ضعف، كانت الأيام تكشفها على مراحل، وصولاً إلى انتخابات 2018، التي تلقى فيها الحريري ″ضربات″ سياسية موجعة، وما أعقبها من تكليفه تأليف الحكومة المقبلة، التي اتضح من سياق المشاورات الجارية حولها أن الحريري يبدو واحداً من أضعف رؤساء الحكومات في لبنان، وتحديداً منذ إقرار إتفاق الطائف عام 1989.

فلم يسبق لأي رئيس حكومة تولى سدّة الرئاسة بعد إقرار اتفاق الطائف، ولا حتى قبل الإتفاق، أن امتلك كتلة نيابية بهذا الحجم. فقد تفوّق الحريري في هذا المجال على كل من رؤساء الحكومات السابقين: سليم الحص وعمر كرامي ورشيد الصلح ووالده رفيق الحريري ونجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام، الذين كان بعضهم بالكاد يجد كتلة نيابية، لا يزيد عددها على أصابع اليد الواحدة، تؤازره وتدعمه في السرّاء والضرّاء.

لكن قوة الحريري من حيث التمثيل البرلماني لم تترجم على الأرض كما يجب. فالمناطق ذات الأكثرية السنّية لم تنل نصيبها من المشاريع التنموية في مقابل تأييدها الواسع للتيار الأزرق وزعيمه، كما هي حال بقية المناطق الأخرى، إذ مرّت السنوات الـ13 عجافاً تنموياً على هذه المناطق التي كانت تدعم الحريري وتشدّ أزره بلا مقابل، بينما كان الحريري يظنّ أن هذا التأييد المطلق سيستمر إلى ما لا نهاية، مع علمه أنه يستمد قوته الرئيسية من شارعه السنّي قبل أي قوة أخرى.

في موقع رئاسة الحكومة لم يظهر الحريري بالقوة التي كان البعض يتوقعها منه، لأسباب مختلفة تنوّعت بين قلة خبرته وضعف حنكته السياسية، وبين تكبيل حلفائه له، وبراغماتية خصومه الذين استطاعوا، تدريجياً، تجريده من عناصر قوته التي لم يبق منها الكثير.

ومن الأدلة على ضعف الحريري أن حكومته الأولى التي ألفها بعد انتخابات 2009 سقطت باستقالة ثلث وزرائها زائداً واحداً، وأن حكومته الثانية التي شكلها بعد انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، عام 2016، تعرض خلالها الحريري لضربة موجعة من المملكة العربية السعودية، أبرز داعميه، التي أجبر فيها العام الماضي على الإستقالة وبقائه فيها 14 يوماً قيد الإقامة الجبرية، ليكمل ما تبقى من عمر هذه الحكومة وهو مثخن بجراح سياسية عميقة إنعكست خسارته في إنتخابات 6 أيار الماضي قرابة ثلث المقاعد النيابية التي كانت بحوزته، قبل أن يُكلّف بعدها تأليف حكومة يبدو فيها اللاعب الأضعف بين شركائه، ما جعل خصومه في الطائفة السنّية قبل حلفائه يرفعون الصوت دفاعاً عن مقام رئاسة الحكومة، الذي لا يبدو الحريري في موقع القوي الذي يدافع عنه كما فعل أسلافه من قبل.

مواضيع ذات صلة:

  1. إعتبارات تمنع الحريري من إقصاء سنّة المعارضة عن حكومته… عبد الكافي الصمد

  2. الحريري ″يستنجد″ برؤساء الحكومات السابقين لإغاثته…عبد الكافي الصمد

  3. الحريري ومعارضيه السّنّة: واقعَين صعبَين بانتظاره… عبد الكافي الصمد

Post Author: SafirAlChamal