الحريري والإعتذار: ترفٌ لا يريده وخشية من إستياء سعودي… عبد الكافي الصمد

بعد لقائه رئيس مجلس النوّاب نبيه بري، أول من أمس، تجنّب رئيس الحكومة المُكلّف سعد الحريري الردّ على أسئلة الصحافيين الذين حاولوا إستنباط رأيه حول أنه لن يعتذر عن التكليف، مهما طال أمده، مكتفياً بالقول: ″أظن أن المشكلة التي لدينا قابلة للحل″، وهو موقف يأتي متطابقاً مع ما صدر عن كتلة المستقبل النيابية بعد اجتماعها في اليوم نفسه، في بيت الوسط برئاسة الحريري، عندما رأت أن ″ما من شيء يجب أن يتقدم في هذه المرحلة على تشكيل الحكومة″.

يبدو واضحاً أن الحريري قد شطب كلمة ″الإعتذار″ عن تأليف الحكومة من قاموسه السياسي، مهمّا تأخر زمن تشكيلها، إنطلاقاً من إعتبارات وظروف عديدة، وهو لن يُقدم على خطوة الإعتذار كما فعل يوم كُلّف تشكيل حكومته الأولى بعد إنتخابات 2009.

قبل تسع سنوات تقريباً، وتحديداً في 27 حزيران 2009، وبعد مرور 20 يوماً على استحقاق الإنتخابات النيابية التي جرت ذلك العام، أجرى رئيس الجمهورية (في حينها) ميشال سليمان إستشارات نيابية ملزمة، أفضت إلى تسمية الحريري رئيساً مكلفاً تأليف الحكومة بأكثرية 86 صوتاً، لكنه اعتذر عن تأليفها في 10 أيلول 2009، بعد مرور 73 يوماً على تكليفه، بسبب “عراقيل” قال إنه واجهها في طريقه، ما دفع سليمان لكي يجري إستشارات نيابية ملزمة جديدة في 16 أيلول، أفضت كذلك إلى تسمية الحريري، إنما بأصوات 73 نائب هذه المرة، ساعدته بعد قرابة 3 أشهر ـ في 12 كانون الأول 2009 ـ في تأليفه أولى حكوماته.

اليوم يعرف الحريري جيداً، وهو لمس ذلك بيده، أن العراقيل التي تواجهه أكبر وأكثر تعقيداً من عراقيل 2009، لكنه لن يُقدم على مغامرة الإعتذار عن التأليف، التي يعرف أنه في حال إقدامه عليها فإنها ستكلفه الكثير، وتضع مستقبله السياسي على أبواب المجهول.

فقبل تسع سنوات كانت خطوة الإعتذار التي قام بها الحريري نوعاً من الدلال السياسي، لأنه كان يعرف أنه سيُكلّف تأليف الحكومة مرة ثانية، لأن أحداً من الشخصيات السنّية لن يتجرأ على منافسته، وهو الخارج للتوّ من إنتصار كاسح حققه في الإنتخابات النيابية وحصد فيه كتلة نيابية هي الأكبر في تاريخ المجلس النيابي اللبناني، بعدما وصل عدد أعضائها إلى 33 عضواً.

لا يملك الحريري اليوم هذا الترف، ولا الجرأة في الإقدام على هكذا مغامرة، لسببين: الأول أنه في حال اعتذاره فإنه لن يضمن أبداً تكليفه مرّة ثانية، في ظلّ وجود أكثر من شخصية سياسية سنّية طامحة للعودة، أو الوصول، إلى السرايا الحكومي الكبير، بعدما فاز معارضوه السنّة بعشرة مقاعد في المجلس النيابي الجديد، ونالوا نحو 40 في المئة من أصوات النّاخبين السنّة، ويشكّلون تهديداً وبديلاً جدّياً له، في ظلّ ظروف سياسية مغايرة، داخلياً وخارجياً، لما كان عليه الحال قبل 9 تسع سنوات.

أما السبب الثاني الذي يجعل الحريري يمتنع عن الإقدام على الإعتذارعن تأليف الحكومة، فهو إدراكه أن هكذا خطوة ستفسر سياسياً على أنها إعتذار يرميه في وجه السعودية، التي لا يخفى عدم ارتياحها لعهد رئيس الجمهورية ميشال عون، ما يجعلها لا تمانع حضّ القوات اللبناينة، حليفها الرئيسي والأول اليوم في لبنان، مباشرة أو بشكل غير مباشر، على رفع سقف مطالب توزيرها في الحكومة المقبلة، وهي مطالب يعرف الحريري أنه غير قادر على تلبيتها بسبب رفض عون القطعي لها، كما أنه غير قادر على التنحّي بسبب العراقيل، لأن ذلك سيُفسح في المجال أمام آخرين لتشكيل الحكومة بدلاً منه، وهم قد يعملون ـ في ضوء المتغيرات المحلية والإقليمية ـ ليس على إبعاد القوات اللبنانية فقط عن الحكومة، بل أيضاً أغلب حلفاء السعودية في لبنان.

مواضيع ذات صلة:

  1. إعتبارات تمنع الحريري من إقصاء سنّة المعارضة عن حكومته… عبد الكافي الصمد

  2. الحريري ″يستنجد″ برؤساء الحكومات السابقين لإغاثته…عبد الكافي الصمد

  3. الحريري وسنّة المعارضة: أيّ قاعدة لتمثيلهم؟… عبد الكافي الصمد

Post Author: SafirAlChamal