في ذكرى عبد المجيد…رشيد درباس

لم يُمَتَّعْ الدكتور عبد المجيد الرافعي، بلذات المراحل العمرية، لأن مرحلة الرجولة استغرقته منذ الوعي وحتى الممات؛ وربما، عندما أغمض الإغماضة الآخرة، كانت بصيرته تريه مستقبلاً عربياً مختلفاً عن هذا الحاضر المرير، لأنه رغم بلوغه عمره الطويل المثقل بالمرض والألم والتهجير والتنكيل، ما كفَّ يوماً عن ممارسة عنفوانه، وما وهنت منه الرجولة. كان عبد المجيد تركباً عريقاً من الصلابة والدماثة، من الشجاعة والطيبة، من الجرأة والحياء، حتى اذا ما  قام أحدهم بإعطائه حقه، في حفل أو لقاء،  تضرجت وجنتاه بالحمرة دليلاً على غربته عن تشاوف ″الزعماء والقادة″، الذين لم يبذلوا في سبيل مجتمعهم وأمتهم ذرة مما بذل هو.

لقد كان للطبيب بن الطيب، خريج سويسرا، والطرابلسي “القحّ” أن يصل إلى البرلمان باليسر الذين أوصل سواه، ولكنه آثر أن يبدأ من الآلاف القليلة، منفرداً، إلى أن أصبح في كل بيت، وفي كل قلب، بالمثابرة، والصبر، والايمان بأهل مدينته التي أحبته مقيماً ومهاجراً، مواطناً وسياسياً، حياً في الدنيا، أو حياً في الآخرة، في مقعد  صدق عند مليك مقتدر.

لقد شَرُفْتُ بإلقاء كلمة في تكريمه في جامعة العزم، فأدهشني اصراره على إلقاء خطابه واقفاً  رغم آلام الظهر الرهيبة التي منعها من ان تؤثر على قسمات السماحة في وجهه، وشَرُفْتُ أيضاً بأن أبلغتني الصديقة العزيزة المناضلة السيدة ليلى أنني عضو في لجنة تكريمه، وهي لجنة ضيقة، لأن طرابلس كلها اليوم تحتفل بذكراه، بل يحتفل بها أيضاً تاريخ نضالي عربي، كان صافياً من الأنانية والمؤامرة، لأن عبد المجيد كان عنواناً مضيئاً للعروبة والاستقامة.

Post Author: SafirAlChamal