الحريري وسنّة المعارضة: أيّ قاعدة لتمثيلهم؟… عبد الكافي الصمد

مُربكاً بدا الرئيس المُكلّف سعد الحريري بعد خروجه من قصر بعبدا ولقائه رئيس الجمهورية ميشال عون، بعد عصر أول من أمس، في إطار المشاورات المتواصلة بينهما لتشكيل الحكومة التي تمّ تكليف الحريري بتأليفها في 24 أيّار الماضي، إلى حدّ أنه كان يقول الشيء ونقيضه في إجاباته على أسئلة الصحافيين.

هذا الإرباك ـ التناقض كان واضحاً في كلام الحريري، عندما تناول مسألة تمثيل الأحزاب والقوى السياسية في الحكومة، وفق أحجامها التي أفرزتها الإنتخابات النيابية الأخيرة التي جرت في 6 أيّار الفائت.

فبعدما استهل كلامه بأن ″كلّ الأطراف السّياسية متفقة على الإسراع في تشكيل الحكومة، وبالتالي بتنا قريبين من الحلحلة، ومن أن يحصل كلّ فريق على حصّته كما يجب″، عاد ردّاً على سؤال حول الأحجام التي أفرزتها الإنتخابات، وهل سيلتزم بذلك، وهل هو مقتنع بأحجام بعض الأطراف وتحديداً الحزب الإشتراكي وحزب القوات اللبنانية، ليقول: ″أفرزت الإنتخابات مجلساً نيابياً سيدرس إعطاء الثقة للحكومة، وأنا لا أحبّذ الكلام عن الأحجام، لأنه بذلك نكون قد وضعنا إطاراً لا يمكننا الخروج منه″.

فكيف يمكن تفسير كلام الحريري من أنه يجب أن يحصل كل فريق على حصّته كما يجب، مقابل أنه لا يحبّذ الكلام عن الأحجام، وما مصير طرحه الذي قدّمه بعد أن كُلّف تشكيل الحكومة، وفق قاعدة أن كل كتلة نيابية تمتلك 4 نواب وما فوق يحق لها حقيبة وزارية، على أساس أن كلّ 4 نوّاب يوازيهم وزير واحد؟

لكن الحريري يبدو أنه يريد تطبيق هذه القاعدة في التوزير إستنسابياً، بطريقة بعيدة عن المساواة والعدالة في التمثيل الوزاري في حكومته المرتقبة. مثلاً رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط متمسك بشدّة بالحصول على حصّة الدروز كاملة في الحكومة الثلاثينية، وهي ثلاثة وزراء، برغم أن كتلته النيابية مكونة من تسعة نواب فقط، وجميع المعنيين بتشكيل الحكومة حريصون على النزول عند طلبه، وهم يساومونه على التخلي عن حقيبة للنائب طلال إرسلان على أن ينال مقابلها حقيبة لوزير مسيحي من حصته، ما يعني أن قاعدة الحريري للتوزير قد كُسرت، وأصبحت وفق معيار جنبلاط حقيبة وزارية مقابل 3 نواب، وهو أمر ينسحب أيضاً على حزب الكتائب الذي يبلغ عدد نواب كتلته 3 نواب فقط، ومع ذلك فإن إتصالات كثيرة جارية لإشراكه في الحكومة.

غير أنّ الحريري، الذي فتح باب التوزير على مصراعيه، غصّ فقط عندما جرى التطرّق لتوزير نواب سنّة خارج تيار المستقبل فازوا في الإنتخابات النيابية الأخيرة، بلغ عددهم 10 من أصل 27 نائباً سنّياً، وتتوافر فيهم كل الشروط المطلوبة للتوزير، وفق قاعدة الحريري نفسها بالرغم من ملاحظات كثيرة عليها، ومع ذلك لا ينفكّ الحريري يضع فيتوات مختلفة من أجل منع  إدخالهم في حكومته.

فعندما سُئل أول من أمس في قصر بعبدا عن إذا ما زال مصرّاً على موقفه من رفض تمثيل المعارضة السنّية في حكومته، ردّ قائلاً: أتمنى على الإعلام تحديد الأمور كما هي. لا يمكن إعتبار (النوّاب) بلال عبد الله أو فؤاد مخزومي أو الرئيس نجيب ميقاتي أو أسامة سعد من المعارضة السنّية، مضيفاً: هناك نقاش يجري وسيصل إلى مكان محدد، وعند تشكيل الحكومة، سأدرس القرار الذي يجب عليّ اتخاذه.

كلام الحريري يهدف بوضوح إلى شقّ صفوف النواب السنّة العشرة، والقول إنهم ليسوا موحدين ضمن كتلة واحدة ليبرر عدم توزيرهم. لكن التوفيق خانه هنا في أكثر من نقطة. الأولى أن ميقاتي يحوز كتلة من أربعة نوّاب وتنطبق عليها قاعدة التوزير مئة في المئة، ومع ذلك لا يتوانى الحريري وفريقه السياسي والإعلامي عن إرسال إشارات تلمّح إلى استبعاد كتلة ميقاتي عن المشاركة في حكومته، برغم مروحة تمثيل طائفي ومذهبي واسعة تحوزها.

والنقطة الثانية التي خانت الحريري، هي أن التكتل الوطني الذي يضم سبعة نواب، موزعين مناطقياً وطائفياً ومذهبياً، يرفض الحريري إعطاءه أكثر من حقيبة وزارية واحدة لمسيحي، فقط حتى يستبعد توزير أحد نوّابه السنّة (فيصل كرامي) عن حكومته، قبل أن يجتمع ستة نوّاب سنّة من معارضيه منذ أيام في منزل النائب عبد الرحيم مراد في بيروت، مطالبين بإعطائهم وزيرين في حكومة الحريري.

وعليه فإن النوّاب السنّة العشرة يحق لهم وزيرين ونصف وفق قاعدة الحريري في التمثيل الحكومي، وثلاثة وزراء وثلث وفق قاعدة جنبلاط، إلا إذا أراد الحريري خلق قاعدة جديدة لتطبيقها فقط على النواب السنّة العشرة من أجل إبعادهم عن حكومته؟

مواضيع ذات صلة:

  1. الحريري ومعارضيه السّنّة: واقعَين صعبَين بانتظاره… عبد الكافي الصمد

  2. الحريري يقرأ في كتاب قديم: لا لسنّة المعارضة في الحكومة… عبد الكافي الصمد

  3. الحريري والتمثيل الوزاري السنّي: زمن الأوّل تحوّل… عبد الكافي الصمد

Post Author: SafirAlChamal