أفغانستان.. ساحة إستثمار أميركية جيو- إقتصادية… د. زكريا حمودان

أفغانستان، هذه الدولة القابعة في الشق الجنوبي من وسط القارة الآسيوية، المعروفة بأنها معقل الإرهاب ومركز تفجير الأبراج الأميركية، كما أنها حقل تجارب إختارته الولايات المتحدة الأميركية بغطاء دولي لجميع أنواع الأسلحة في العالم، هي اليوم أكبر مركز إستثماري جيو-إقتصادي للمخطط الجيو سياسي للولايات المتحدة في طريق تجسيد نفسها كقطب أوحد في العالم.

لم تعد أميركا القطب الأقوى في العالم، فمنذ بروز الرئيس فلاديمير بوتين على رأس الدولة في روسيا وفرضه للإستقرار في الإتحاد الروسي ثم تأمينه للدولة المحيطة كخط عزل جيو-إقتصادي من أجل الحفاظ على جميع مصالح روسيا الجيوسياسية في العالم، فأصبحت روسيا وحلفاؤها العدو الأوحد للولايات المتحدة الأميركية. وإنطلاقًا منه، باتت الولايات المتحدة بحاجة لأراض خصبة في القارة الآسيوية من أجل إبقاء هيمنتها الجغرافية على مقربة من منافسيها في آسيا، وكانت حركة طالبان هي الحجة التي أدخلت الولايات المتحدة إلى وسط القارة بحيث تُشكل اليوم أهم نقطة جيو- إقتصادية في الوسط الآسيوي.

تكمن أهمية أفغانستان الجيو- إقتصادية والجيوسياسية في كثير من الحقول التي تعني الولايات المتحدة الأميركية. من هنا يجب النظر إلى أمرين، الجغرافيا الأفغانية من جهة، والإقتصاد الأفغاني من جهةٍ أُخرى بالإضافة إلى مستقبل أفغانستان السياسي بحسب موقعها في القارة الآسيوية.

في الجهة الأولى، تشكل الجغرافيا الأفغانية ممرًا بين المتوسط من جهة وشرق آسيا من جهةٍ أُخرى، محاذية لطريق الحرير وممرات أنابيب الغاز الطبيعي والنفط بين الشرق والغرب. كما تربطها مشاريع إمدادات غاز طبيعي شارفت على نهايتها مع تركمانستان، باكستان، والهند أعطتها أهمية جغرافية زادت من مطامع الولايات المتحدة الأميركية بها.

في الجهة الثانية والأهم والتي تتمثل بالشق الإقتصادي، فإنَّ أفغانستان بما تُمثل من ثروات طبيعية هائلة تسمح أن تجعل منها أغنى دولة في العالم من حيث دخل الفرد السنوي لو إستُثمرت كما يجب، فهي لديها إحتياطي هائل وغير مُستغل من النفط والغاز الطبيعيين والذهب والنحاس الأصفر والحديد الخام، وأكبر إحتياطي عالمي من الليثيوم الذي يُستخدم في صناعة الكومبيوتر والبطاريات والسيارات الكهربائية والهواتف الذكية. أضف إلى ذلك، أنَّ أفغانستان اليوم هي أكبر منتج للأفيون في العالم بنسبة 90% من الإنتاج العالمي بحيث يُصَدَّر 75% من كمية الإنتاج الأفغاني إلى الخارج. هذا على مستوى الموارد الطبيعية، أما على مستوى الإستثمارات الأميركية في أفغانستان، فمنذ الحرب الدولية التي قادتها الولايات المتحدة على حركة طالبان بحجة الهجمات على الابراج، فقد إستثمرت الشركات الأميركية في أفغانستان بآلاف المليارات ضمن العديد من الإستثمارات التي وبحسب أحد التقارير الأميركية التي تم رفعها إلى الكونغرس في مشروع إعادة إعمار أفغانستان، تُشير الى أنَّ أغلب الإستثمارات الأميركية لم تُستكمل بالرغم من سداد جميع الحسابات لهذه الشركات، وتصل تكلفة هذه الإستثمارات إلى ما يقارب الترليون دولار في الداخل الأفغاني من نهب للموارد الطبيعية وعدم الوفاء بالإستثمارات المدفوعة مسبقًا. وأنَّ تكلفة الـ2 ترليون دولار للحرب الأميركية على أفغانستان حتى اليوم هي مجرد غطاء سياسي للمستثمرين الأميركيين في الداخل الأفغاني، كما أنَّ جميع هؤلاء المستثمرين هم من الحلقة الضيقة في البيت الأبيض. أما عودة حماس الرئيس الأميركي دونالد ترامب اليوم للعمل على الساحة الأفغانية فيعود إلى الكم الهائل من الإستثمارات التي يمكن له أن يستخدمها في خدمة مشروعه الذي يهدف إلى نهب ثروات الشعوب فداءً للسياسة الأميركية بحسب ما صرح به الرئيس ترامب بنفسه في العديد من المحطات الإعلامية. كما تأتي هذه الإستثمارات بمنفعة خاصة للرئيس الأميركي خلال حملاته المستقبلية في السياسة بحيث يتمكن من السيطرة على كبار رؤوس الأموال من خلال وهبها إستثمارات في الخارج مقابل دعمها له في مسيرته الداخلية مستقبليًا.

أما سياسيًا، فيُعتبر وجود القيادة الأميركية في الأجواء السياسية الأفغانية بالمحاولة الأخيرة قبل إعلان هزيمتها في جنوب وسط آسيا، بعدما أصبحت أفغانستان اليوم عضوا مراقبا في منظمة شنغهاي التي تُشكل هاجس للقيادة الأميركية وإستثماراتها في العالم.

Post Author: SafirAlChamal