أفغانستان.. مركز تجنيد جيو- سياسي لضرب روسيا… د. زكريا حمودان

يدخل العالم كل يوم في تعقيدات جديدة، ومختلفة في الشكل، لكنها في المضمون تصب جميعها في حرب جيوسياسية واسعة بين الأطراف الكبرى المتصارعة على البقاء والإستمرار في تنفيذ مخططاتها الجيو- إستراتيجية. 

لم يأت الهجوم على أفغانستان في بداية هذا القرن من عدم، فالمنطقة الوسطى في آسيا هي البعد الثاني الذي تضعه الولايات المتحدة نصب أعينها بعد الشرق الأوسط الذي قامت بتأمينه في مرحلة نهاية القرن المنصرم وعندما كانت تزرع في آنٍ معًا ضمن مخططها خلايا في وسط آسيا. من هنا، وإذا أردنا العودة قليلًا إلى الوراء نجد بأن أغلب العناصر الذين تم تجنيدهم ضمن مخطط محاصرة روسيا بعد سقوط الإتحاد السوفياتي هم مجموعة من المتطرفين الذين تم تحضيرهم في المملكة العربية السعودية وإرسالهم إلى أفغانستان بالتنسيق مع المخابرات الأمريكية. وإذا أردنا متابعة سياق الأحداث في أواخر التسعينات سنجد بأنَّ كل الهجمات الإرهابية التي إستهدفت روسيا خلال حربها مع الشيشان كانت مصادر تجنيدها تأتي من أطراف وسط آسيا وبالتحديد من مجموعات يتم تحضيرها على أيادي حركة طالبان التي كانت تحظى بغطاء أمريكي- سعودي وتنسيق إماراتي واسع وصل إلى حد إستضافة الإمارات لقادة من حركة طالبان، بالإضافة إلى الدعم المالي المباشر للشيشانيِّن عبر تلك المجموعات.

أتى تحديد الهجوم على الطعم الذي غرسته الولايات المتحدة في أفغانستان على مشارف القرن الجديد إستكمالًا للمخطط الذي سبق ذكره والذي يهدف إلى إيصال قاعدة أمريكية إلى حدود قريبة من روسيا وذلك لأهداف عدة جميعها جيوـ سياسية ضمن مخططات جيو- إستراتيجية ضمن حسابات الولايات المتحدة الأمريكية. لكن الملفت وما لم يكن في حسابات الأمريكيين هو بروز شخص الرئيس بوتين على رأس السلطة في روسيا منذ بداية القرن الحالي مما أدى إلى فرض تغييرات كبيرة في المخطط الأمريكي، بعضها متعلق بتعاظم القوة الروسية على مستوى العالم والبعض الآخر متعلق بالتطورات المتعلقة في الشرق الأوسط. هذه المُتغيرات الكثيرة فرضت نفسها على الساحة الأفغانية في السنوات الماضية بشكل كبير خاصة بعد دخول القوات الأمريكية إلى العراق وحاجتها إلى ذرائع جديدة في الشرق الأوسط بحيث عملت الولايات المتحدة على إجتذاب مجموعات كبيرة من تنظيم القاعدة في أفغانستان إلى العراق وعلى رأسهم أبو مصعب الزرقاوي الذي كان على رأس الناشطين بين وسط آسيا والشرق الأوسط، بالإضافة إلى أسماء عديدة منها أبو عمر البغدادي وأبو بكر البغدادي الذي يترأس اليوم تنظيم ما يُسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). هذا الأمر يوضح بأن الساحة الدولية باتت مفتوحة للتنظيمات المتطرفة من أجل التنقل في المناطق الحيوية بين الشرق الأوسط ووسط آسيا.

منذ بداية دخول القوات الأمريكية إلى العراق كان لتنظيم القاعدة في بلاد الشام الحرية الكاملة بغطاء من الولايات المتحدة وحلفاءها من أجل تجنيد الكم الأكبر من شباب الشرق الأوسط والدفع بهم نحو معسكرات التجنيد التابعة لتنظيم القاعدة خاصة في أفغانستان وذلك بهدف توسيع حجم الخلايا الموجودة على أطراف آسيا الوسطى.

مع إحتدام المعارك في سوريا وبداية تحول المنطقة نحو الإستقرار ضمن المحور الروسي، ظهر مؤخرًا إعادة تحريك الملف الأفغاني مع تمدد تنظيم داعش نحو أفغانستان بحيث بات يملك عددًا كبيرًا من المسلحين يقارب الـ 5000  بحسب أحد التقارير القادمة من أفغانستان. لماذا هذا الإهتمام بأفغانستان من قِبَل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها؟

يأتي الإهتمام بأفغانستان من قِبَل الأطراف الداعمة للمنظمات المتطرفة بسبب الموقع الإستراتيجي الذي تتمتع به في وسط القارة الآسيوية من جهة، ووجودها على مشارف دُوَل محاذية لروسيا من جهة وطبيعتها خصبة في عملية نشر التطرف من جهةٍ ثانية. هذا المخطط الذي تبحث عنه الولايات المتحدة في تنقل الإرهاب بين الشرق الأوسط ووسط آسيا هدفه واحد وهو الوقوف في وجه جميع المشاريع الإستراتيجية التي تقودها روسيا والصين والتي أثبتت فعاليتها على المستوى الإقتصادي وذلك من خلال منظمة شنغهاي وتزايد التبادل الإقتصادي بين دول وسط وشرق آسيا، بالإضافة إلى تمدد مشاريع الغاز الطبيعي الروسي نحو شرق آسيا. لذلك عمدت الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في وسط القارة وتعزيز عملية زرع تنظيمات متطرفة سبق وأن تعاملت معها في الشرق الأوسط وذلك من أجل إبقاءها على مقربة من وسط القارة في خاصرة روسيا من أجل عرقلة المشاريع الإستراتيجية التي تساهم في تعزيز الإقتصاد الروسي من جهة، وإستقلالية الإقتصاد الآسيوي وفصله عن الإرتباط بالدولار الأمريكي من جهة أخرى.

                                                    مدير المؤسسة الوطنية للدراسات والإحصاء

Post Author: SafirAlChamal