هكذا تُولد الحكومات: حكومة الحريري نموذجاً… عبد الكافي الصمد

يبدأ رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري اليوم إستشاراته النيابية لتأليف الحكومة المقبلة، وفق برنامج مكثف على شاكلة الإستشارات النيابية الملزمة التي أجراها رئيس الجمهورية ميشال عون، والتي أفضت إلى تكليف الحريري، إذ سوف تقتصر إستشارات الحريري على يوم واحد وليس يومين كما جرت العادة، يبدأ من الساعة 11 قبل الظهر وينتهي عند الرابعة وعشر دقائق عصراً.

ولا تتوجه الأنظار غداً إلى الإستشارات بحدّ ذاتها، بل إلى ما ينتظر أن تسفر عنها من أفكار ورؤى ستطرح على الحريري ويمكن أن تسهم في بلورة صورة واضحة وواقعية عن الحكومة العتيدة، برغم أن العارفين بآلية ″طبخ″ تأليف الحكومات يدركون جيداً أن عملية التأليف الحقيقية تجري في أماكن أخرى، وليس في مجلس النواب حيث سيلتقي الحريري بالنواب للإستئناس بآرائهم.

إذ جرت العادة أن تكون الإتصالات واللقاءات التي تعقد بعيداً عن الأضواء والإعلام، هي المجال الرحب والمثالي التي تجري فيه عملية التأليف، والتي لا يعرف مضمونها وما يجري خلالها من مفاوضات التأليف إلا ما يتسرّب عنها، والتحليلات والتوقعات التي يحاول أصحابها من خلالها فكّ طلاسم معالم الحكومة الوليدة.

ولا يقتصر الأمر على ذلك، فقد سئل النائب ميشال المرّ يوماً عن رأيه في ما يجري تسريبه من أسماء حول تشكيلة حكومة يجري تأليفها، فأجاب بأنه من خلال معرفته أو تعاطيه العمل السياسي منذ عام 1968، يوم انتخب نائب لأول مرة، فإن عملية تأليف الحكومة تتم في نصف الساعة الأخير قبل ولادتها، عندما يجتمع رئيس الجمهورية مع رئيس الحكومة المكلف مع رئيس مجلس النواب، فعندها توضع اللمسات النهائية على الحكومة، بعدما تكون أسماء قد سقطت من تشكيلة الحكومة وأخرى دخلتها في آخر  الدقائق المفصلية، وهو ما يجعل كثيرين ينامون على أساس أنهم وزراء في الحكومة، لكنهم يستيقظون في اليوم التالي ليجدوا أنفسهم خارجها، والعكس صحيح.

يضاف إلى ذلك، إن تأليف الحكومة محكوم بأكثر من سقوف وضوابط، منها ما هو ثابت، مثل توزيع الحقائب والتوزير مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، ووفق معيار معين بين كلا الطائفتين، ومنها ما هو غير ثابت، ويخضع لموازين القوى السياسية وقدرة كل فريق على المناورة من أجل تحصيل أكبر عدد ممكن من الحقائب إضافة إلى نوعيتها ووزنها، بين سيادية وخدماتية وثانوية أو وزارة دولة.

ويؤخذ بعين الإعتبار عند تشكيل الحكومات، أمور أخرى لكنها ليست ملزمة للرئيس المكلف، بل هي خاضعة للتوازنات السياسية، مثل التوزيع المناطقي للوزراء عدداً ونوعية، وحصّة كل فريق سياسي، والكباش حول الوزارات السيادية والخدماتية، فضلاً عن حصّة رئيس الجمهورية.

ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد اعتاد اللبنانيون على تدخل السفارات العربية والأجنبية والدول الإقليمية التي لها نفوذ في لبنان في تسمية رئيس الحكومة والوزراء في أحيان كثيرة، وتتداول معلومات وأحاديث كثيرة في هذا المجال حول “فيتوات” وُضعت على مرشحين لمنعهم من دخول “جنة” الحكومة فبقوا خارجها، في حين أن آخرين إستعانوا بهذه السفارات والدول فكان ذلك تأشيرة دخول لهم لهذه الحكومة أو تلك.

أحد الأمثلة على ذلك ما برز مؤخراً من عقوبات فرضتها أميركا ودول خليجية على حزب الله، ما فُسّر على أنها ضغوط تمارس على الحريري لمنع الحزب من المشاركة في حكومته، وهو ما يدفعه إلى بذل جهود من أجل تدوير الزوايا لولادة الحكومة بأقل قدر ممكن من العراقيل التي يمكن أن تعترضها داخلياً وخارجياً، إنطلاقاً من أن هذه الحكومة هي بنظر البعض حكومة العهد الاولى، وأنها ستعمّر فترة زمنية ليست بالقصيرة.

مواضيع ذات صلة:

  1. الضنّية تدعم الصّمد: عدم تسميته الحريري مُشرّف… عبد الكافي الصمد

  2. ضغط سنّي بانتظار الحريري: إنتهاء زمن الآحادية … عبد الكافي الصمد

Post Author: SafirAlChamal