إنتهت الإنتخابات .. بدأت السّياسة… عبد الكافي الصمد

طوت الإنتخابات النيابية صفحتها يوم الأحد الماضي، وطوي معها صفحات السجال والتراشق الإعلامي والسياسي الذي اندلع قبل الإنتخابات وبعدها، وينتظر أن يضع ما تبقى من تراشق وسجال أوزاره في الأيام المقبلة.

منذ الإعلان عن الإتفاق على إجراء الإنتخابات النيابية بعد التوافق على إنجاز قانون الإنتخابات الجديد القائم على النسبية والصوت التفضيلي، كانت خطابات المرشحين في كل الدوائر الإنتخابية تعلو رويداً رويداً، حتى وصلت ذروتها يوم الإستحقاق الإنتخابي في السادس من أيار الجاري.

طيلة الفترة السابقة لم يكن هناك صوت يعلو فوق صوت الإنتخابات، التي كان كل شيء في البلد يدور حولها، وغاب عن خطابات ومواقف المرشحين، باستثناء قلة، كل ما يمتّ إلى العقل والمنطق والحكمة بصلة، وخلت الساحة لخطابات ومواقف التشنج والتحريض السياسي والطائفي والمذهبي والشخصي، لدرجة أن بعض المرشحين لم يكن لديه مانع أن يحرق البلد برمته من أجل مقعد نيابي.

لكن قطوع الإنتخابات مرّ على خير وبأقل قدر من الأضرار، والتداعيات السلبية التي تركتها في الشارع يتوقع أن تنحسر تدريجياً، بعد أن تهدأ النفوس قليلاً، وتبرد الرؤوس الحامية، ويعترف الجميع بالأمر الواقع الذي أفرزته الإنتخابات، بانتظار الإستحقاق النيابي المقبل بعد أربع سنوات.

إنتهاء الإنتخابات النيابية فتح الباب واسعاً لعودة السياسة إلى الحضور مجدداً، وهي عودة لم تتأخر كثيراً، بل ظهرت في أكثر من مناسبة، ما أسهم في ضخّ الدم بالحياة السياسية اللبنانية المعتادة، بعدما جمّدتها الإنتخابات النيابية لأشهر.

أول إستحقاق سوف يواجهه المجلس النيابي الجديد هو انتخاب رئيس له، بعد انتهاء ولاية المجلس الحالي في 20 أيار الجاري، ولا يبدو في الأفق ما يشير إلى أن أحداً إلا الرئيس نبيه بري سيتبوأ هذا المنصب، الذي يتربع عليه رئيس حركة “أمل” منذ عام 1992.

ويبدو بري مرتاحاً لبقائه في منصبه، بعدما فاز الحلف السياسي الذي يضمّه، وهو فريق 8 آذار، بعدد مريح من أعضاء المجلس الجديد، يضاف إليهم حليف بري الدائم النائب وليد جنبلاط وغيره، ما يجعل أكثر من نصف نواب المجلس المقبل سيقترعون لصالح بري، ويجعل إحتمال إنتخاب سواه حلم بعيد المنال، وأن تلويح البعض بأنهم سيحجبون أصواتهم عنه، ليس إلا ″زكزكة″ سياسية على الطريقة اللبنانية.

ومن أجل اكتساب المزيد من الأصوات، قال برّي أمس أن مرشحه لرئاسة الحكومة المقبلة هو الرئيس سعد الحريري، كنوع من “مقايضة” يتقن بري جيداً القيام بها، وهو تطوّر يؤكد وجود تسوية جرى التوافق عليها بين القوى الرئيسية في البلاد قبل موعد الإنتخابات النيابية، ويعملون على تطبيقها حالياً.

ومن معالم الإنتقال من الأجواء الإنتخابية إلى الأجواء السياسية، الحديث عن محاولة لتشكيل تحالفات وكتل سياسية ونيابية جديدة، يعدّ من أبرزها شمالاً ما يُحكى عن تكتل يسعى أكثر من طرف إلى ولادته، ويضمّ تسعة نواب على الأقل حالياً، هم نوّاب كتلة الرئيس نجيب ميقاتي وكتلة تيار المردة والنواب فيصل كرامي وجهاد الصمد، لإعادة رسم المشهد السياسي في طرابلس والشمال، وتشكيل قوة ضغط وتأثير سياسية في المرحلة المقبلة، بعد تغييب الشمال بأغلبه تقريباً في السنوات الأخيرة. 

كل ذلك يفسر تبريد الأجواء الإنتخابية والإلتفات إلى السّياسة، وهو ما تبدّى أيضاً في بدء الحديث عن الحكومة المقبلة، حتى قبل أن تصدر وزارة الداخلية النتائج الرسمية للإنتخابات النيابية، وحصّة كل طرف في الحكومة، ما يدلّ أن الإنتخابات النيابية قد أصبحت وراء الجميع، وأن صفحة جديدة قد بدأت، وأن الكباش الإنتخابي تحوّل إلى كباش سياسي، وهذا الأخير له حساباته وآلياته وأدبياته الخاصة.

مواضيع ذات صلة:

  1. الصّمد يستعيد ″هوية″ الضنية.. واستياء من جهاد يوسف… عبد الكافي الصمد

  2. الضنية 2018: إنسحاب يوسف وغياب المال… عبد الكافي الصمد

Post Author: SafirAlChamal