على أي أساس يتعاطى ″المستقبل″ مع طرابلس.. قندهار أم الضاحية؟… غسان ريفي

ما تزال طرابلس تنتظر من ″تيار المستقبل″ أن يرد لها ″الجميل” على ما قدمته في سبيله على مدار السنوات الماضية، سواء في منحه الأكثرية النيابية في دورتيّ عامي 2005 و2009، أو في دفاعها المستميت عنه وعن خياراته السياسية ومغامراته الأمنية، وهي في كل مرة كان يخيب أملها بـ″التيار الأزرق″، فلا هو تعاطى معها كعاصمة ثانية، ولا وفىَ بالوعود التي قطعها لها على صعيد التنمية والانماء، ولا في الاهتمام بها وبتنفيذ مشاريعها التي تحولت الى نقمة بدل أن تكون نعمة، ولا في حمايتها من التوترات الأمنية التي شوهت صورتها بجولات عنف عبثية.

يبدو لكثير من الطرابلسيين، اليوم بأن ″تيار المستقبل″ لا يريد من طرابلس سوى إستخدامها في تحقيق مشاريعه السياسية والأمنية، وأنه ينظر إلى أهلها كمجرد أرقام في صناديق الاقتراع لزيادة عدد نوابه في البرلمان، من دون أن يكلف نفسه عناء منحها أي من المكاسب التي يحققها من وجوده في الحكم، والتي يمنحها أمام مرأى ومسمع الطرابلسيين لمناطق أخرى محظية، سواء على صعيد المشاريع أو التعيينات الادارية ووظائف الفئة الأولى.

كان الطرابلسيون ينتظرون من تيار المستقبل أن يأتي إليهم عشية إنتخابات عام 2018، وبعد تسع سنوات من الغياب الكامل عن المدينة، وإنقطاعه التام عن تقديم الخدمات والمساعدات، ببرنامج إنتخابي يتضمن سلسلة مشاريع حيوية، تساهم في نهوض المدينة، لكنهم فوجئوا بخطاب تهديدي بلقمة العيش وبمضاعفة الحرمان، في حال لم يقترعوا لمرشحي الخرزة الزرقاء التي لم تسهم في حماية طرابلس، بل على العكس فقد كانت وبالا عليها ما جعل تصنيفها في برنامج الأمم المتحدة الانمائي كأسوأ مدينة على ساحل المتوسط من حيث الأزمات الانسانية والاجتماعية.

أمام هذا الواقع، وبعد فقدان أمل الطرابلسيين بـتيار المستقبل سياسيا وإنمائيا، وجدوا في ظل القانون الانتخابي المعتمد تشكيل لوائح طرابلسية تفضي الى تشكيل قيادة سياسية نيابية تكون قادرة على تمثيل المدينة والتحدث باسمها والضغط على الحكومة من أجل إنتزاع حقوقها، خصوصا أن ثمة قناعة تترسخ يوما بعد يوم لدى كل أبناء طرابلس، بأن التهميش بدأ يتنامى في المدينة عندما فقدت قرارها السياسي وأصبح ملحقا بتيار مركزي في بيروت لديه أولويات على المستوى الوطني لا تدخل طرابلس ضمنها.

لم يرق لـتيار المستقبل هذه الاستقلالية الطرابلسية، فجهز كل ما لديه من أسلحة مشروعة وغير مشروعة لضربها والنيل منها لابقاء الفيحاء تحت الوصاية الزرقاء وتحت خط الفقر، فأطلق الرئيس سعد الحريري من مركز الصفدي الذي إحتضن إعلان لائحة الخرزة الزرقاء حملة تخوين لكل قيادات المدينة، وتبعه عدد من المرشحين الزرق الذين لم يطرحوا أي برنامج إنتخابي تنموي، لمصلحة التركيز فقط على إتهام خصومهم وتخوينهم الى حدود كيل الشتائم لهم، لا سيما لائحة العزم والرئيس نجيب ميقاتي الذي يربك المستقبل ويقلق راحته بعدما نجح في تشكيل لائحة طرابلسية الهوى والهوية والنكهة واللغة.

لم يعد يعرف تيار المستقبل كيف ينال من لائحة العزم التي تقض مضاجع بيت الوسط، فتارة يتهم الرئيس ميقاتي بأنه كان سببا في جولات العنف التي شهدتها المدينة خلال عهد حكومته، في حين بات يعلم القاصي والداني بأن المستقبل هو من أطلق شرارة التوترات وجولات العنف في المدينة في يوم الغضب المشؤوم لاسقاط حكومة ميقاتي، وتارة أخرى يتهمونه مع لائحته بأنهم من أتباع الوصاية السورية وحزب الله، الأمر الذي يطرح سؤالا مشروعا لجهة: كيف يمكن لأي قيادي طرابلسي أن يكون ضد حلفاء سوريا وحزب الله في جولات العنف الطرابلسية، ثم يكون في الوقت نفسه من أتباع النظام في سوريا والحزب؟؟.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن المستقبل إتهم اللواء أشرف ريفي بأنه يعمل لمصلحة حزب الله، وفي الوقت نفسه بأن “لا شغل لديه إلا الهجوم على حزب الله”، ما يطرح سؤالا ثانيا، لجهة: كيف يترافق العمل لمصلحة الحزب والهجوم عليه في آن واحد؟، كما لم يوفر التيار الأزرق الوزير السابق فيصل كرامي والنائب السابق مصباح الأحدب.

كل ذلك يظهر بوضوح حالة التخبط والارباك التي تسيطر على تيار المستقبل وتجعله في حالة إنعدام وزن، خصوصا أنه ما يزال يحاول إستخدام طرابلس، فتارة يتعاطى معها على أساس أنها قندهار لتنفيذ مآربه في مواجهة خصومه، وتارة أخرى يتعاطى معها على أساس الضاحية الجنوبية لاتهام قياداتها بأنهم من أتباع النظام السوري وحزب الله.

وترد أوساط طرابلسية على المستقبل بأن طرابلس ليست قندهار وليست الضاحية، بل هي مدينة ظلمها التيار الأزرق وهي تنتفض اليوم على واقعها، وتسعى الى أن يكون لها قيادة سياسية مستقلة تخدمها وتحقق طموحاتها، بعيدا عن المستقبل الذي يمعن مرارا وتكرارا في الاساءة الى طرابلس باستخدامها في كل مرة وفق مآربه ومصالحه الأمنية والسياسية والانتخابية وحتى الشخصية، ما يجعلها معه شريكة فقط في الغرم وبعيدة عن أي غنم. 

مواضيع ذات صلة:

 

Post Author: SafirAlChamal