ماذا تقول الخبيرة البيئية الدكتورة ميرفت الهوز عن جبل النفايات في طرابلس؟

خاص ـ سفير الشمال

قبل فترة وجيزة في شهر آذار الماضي وخلال مشاركتها في المؤتمر العالمي لإدارة النفايات الصلبة و تقنياتها في ولاية واشنطن في أميركا عرضت الخبيرة في الهندسة البيئية الدكتورة ميرفت الهوز (المرشحة عن المقعد السني في طرابلس على لائحة العزم) دراستها المتكاملة حول معالجة النفايات الصلبة لمدن إتحاد بلديات الفيحاء فحازت على إعجاب كل الخبراء البيئيين المشاركين في المؤتمر، وقال بعضهم في معرض تعليقه على الدراسة: ما هذه الدولة التي لا تتبنى دراسة علمية من هذا النوع لمعالجة النفايات الصلبة في مدينة تعتبر عاصمة ثانية.

اليوم حصل ما كان في الحسبان وما كانت تحذر منه الدكتورة دائماً.. جدار جبل النفايات الذي بلغ ارتفاعه نحو 43 مترا بدأ بالانهيار للمرة الثانية ولكن هذه المرة من الجهة البحرية مما يهدد بكارثة صحية وبيئية ستمتد الى البحر، في وقت ما تزال فيه الدولة تختلف على جنس الملائكة، من دون أن تجد معالجة صحيحة قادرة على حماية المواطنين في طرابلس من السموم، في حين ما تزال دراسة الدكتورة ميرفت الهوز التي قدمتها منذ العام 2012 الى البلدية أسيرة الأدراج ولم تجد طريقها الى التنفيذ بالرغم من موافقة الاتحاد الأوروبي عليها.

تقول الدكتور ميرفت الهوز لـ″سفير الشمال″: طرابلس أمام كارثة بيئية حقيقية وهي ناتجة من تراكم الاهمال للملف البيئي الذي كنا سرنا به بخطة متكاملة لإدارة النفايات الصلبة منذ العام 2003 في عهد رئيس البلدية الأسبق الراحل العميد سمير الشعراني، وعندها أعددت دراسة إنشاء معمل لفرز النفايات قدمت إلى الإتحاد الأوروبي على أن يترافق مع توعية متكاملة بيئيا وصحيا وفرز في المصدر، لكي تتبع بإعادة الاستخدام والتدوير ومعالجة للمواد العضوية بصورة صحيحة ومن ثم الطمر وهو نهاية المطاف وليس الأساس، خصوصا أن أكثرية البلدان في العالم لم تعد تعتمد المطامر كحل أساسي. فعندما نعتمد فرز النفايات، معنى ذلك أننا نحتاج الى معالجة صحيحة، خصوصا أن 64 بالمئة من النفايات هي عضوية.

وتضيف: عندما دخلنا الى المجلس البلدي مع رئيس البلدية الراحل المهندس رشيد جمالي في العام 2004، تابعنا وأكملنا الخطة المتكاملة التي بدأت في العهد السابق، وأنجزنا معمل الفرز، لكن للأسف لم تتسلم البلدية هذا المعمل، لأن رشيد جمالي وميرفت الهوز كانا محسوبين على الرئيس نجيب ميقاتي، وعندما إنتهت ولايتنا جرى تسليم المعمل الى البلدية الجديدة. وخلال وجودي في البلدية نفذت مشروع الفرز من المصدر في شارع مرج الزهور في أبي سمراء وضمن 25 بناية وإستمر ستة أشهر بنجاح كامل بدعم من جمعية العزم والسعادة الاجتماعية، وتميز بنجاح كبير. أيضا خلال هذه الفترة  في عام 2008 قدمت إلى الاتحاد الأوروبي (الممول) إقتراح دراسة لإنشاء معمل تسبيخ إلى جانب معمل الفرز، وفي العام 2011 رست هذه الدراسة عليي، بعد التنافس مع مهندس زراعي، وآخر أصبح عضوا في المجلس البلدي وهو من أوقف المشروع وهنا أقولها بصراحة أن المحاربة كانت ولا تزال سياسية.

وترى الهوز أن بلدية طرابلس في عهد الدكتور نادر غزال كانت تعاني من صراعات وتجاذبات منعتها من العمل، وبالرغم من ذلك أنجزت الدراسة في العام 2012، ووافق عليها الاتحاد الأوروبي وطبع منها ألفي نسخة. شملت هذه الدراسة الجدوى التقنية والإقتصادية معاً لكل التقنيات المتبعة عالمياُ كالتسبيخ والتفكك الحراري كطريقة معالجة، وتضمنت الطريقة الفضلى لمعالجة النفايات بيئيا وماليا وإجتماعيا وصحيا وسياسيا ومؤسساتياً آخذة بعين الاعتبار موقع الأرض ووجودها على البحر حيث إخترنا طريقة النظام المغلق، كما تتضمن هذه الدراسة خطة إستراتيجية طويلة الأمد تمتد الى 2031، لكن للأسف البلدية السابقة وضعت هذه الدراسة في الأدراج، بالرغم من موافقة الاتحاد الأوروبي عليها وتأكيده بأنها الأنسب لواقع طرابلس، علما أنها عرضت أيضا في ثلاث مؤتمرات عالمية ونالت إعجاب المشاركين، لكن بلدية طرابلس أهملتها.

وتشير الدكتورة الهوز الى أن معمل التسبيخ الحالي الذي يعتمد على طريقة تقنية التسبيخ في الهواء الطلق لم يطبق كما هو في دفتر الشروط، ولا يستوفي الشروط البيئية والصحية أصلاً لأسباب عديدة أهمها عدم وجود المساحة اللازمة لتشغيل هكذا مشروع في مدن ساحلية فرض على البلدية من غير ذوي أصحاب الإختصاص والعلم في هذا الشأن.

وتستغرب أيضاً تنفيذه من قبل وزارة التنمية الإدارية بدون القيام بدراسة تقييم الأثر البيئي له. لذلك نجد أن إتحاد بلديات الفيحاء اليوم أمامه كوارث بيئية متمثلة بجبل نفايات يرتفع مستواه تدريجيا، ليصل اليوم الى نحو 43 مترا، معرض للإنهيار في أية لحظة ومعمل تسبيخ لا يعمل كما يجب ينبعث منهما الملوثات المختلفة من أهمها الغازات السامة والروائح الكريهة التى تخنق أهلنا يومياً، علما أن جبل النفايات أصبح مصدر قلق بيئي على حوض المتوسط في حين أننا جميعاً في أمس الحاجة لتسويق طرابلس كنقطة تبادل تجاري ومحجة للسياح لدول البحر الأبيض المتوسط والدول العربية.

وتضيف: طلب مني رئيس البلدية الحالي المهندس أحمد قمر الدين إيجاد حل للمكب، فاعتكفت لمدة أسبوعين وقمت بدراسة كل التقنيات الممكنة، لأننا أمام كارثة بيئية بكل ما للكلمة من معنى، خصوصا أن الجبل مهدد بالسقوط في البحر وعندها سنواجه وباء وأزمات صحية وتلوث البحر، لأن المكب يتضمن جميع أنواع النفايات.

طرحت عدة حلول: أولاً ترك المكب على ما هو عليه، وعندها علينا أن نواجه كارثة الغازات الناتجة عنه في الهواء، والسائل المرتشح من النفايات الذي يصب في البحر وخاصة وأن محطة التكرير التي تعود إلى المكب لا تعمل لأتباعها نظام الصرف الصحي وليس معالجة المياه المبتذلة الصناعية الصادرة عن المكب، واليوم هذه المياه الملوثة تصب في البحر وتؤثر سلباً على نوعية مياهه وثروته السمكية. ولقد سبق وحذرنا من أن هذا المكب إذا ترك كما هو عليه سنكون أمام كارثة صحية في طرابلس لأنه سيبقى كما هو، والدولة التي يعشش فيها الفساد والاهمال البيئي والعلمي تريد أن تعمل مطمر آخر على البحر، مما يعني أننا سنعاني من التلوث أكثر فأكثر. أما الحل الثاني وهو تغطيته مع سحب الغاز لتخفيض مستواه، لكن الكارثة ستبقى مع بقاء جبل النفايات الذي لا يمكن تخفيض إرتفاعه كثيراً، هذا الاقتراح مرفوض كذلك، لأن الدولة لن تتعب نفسها بتأمين الصيانة اللازمة ودفع الأموال لها، علما أن معمل الفرز البسيط لم تستطع الشركة الحالية تشغيله كما يجب ووفق المعايير الضرورية.

وترى الهوز أن الحل الأمثل اليوم هو التخفيف من حجم هذا المكب بفرز كميات النفايات في أرض مجاورة، ومن ثم إعتماد آلية الفرز من المصدر، ومن ثم التسبيخ الجيد العلمي والفني، وإعادة الاستخدام والتدوير، وما يتبقى يمكن حرقه أو طمره، وإلا فإننا سنبقى دائما في طرابلس تحت مظلة من التلوث، ستقضي علينا شيئا فشيئا.

Post Author: SafirAlChamal