هل بالغ محمد الصفدي في إرضاء المستقبل؟… غسان ريفي

ما تزال طرابلس تعيش على وقع صدمة الفيديو المسرّب للنائب محمد الصفدي خلال إجتماعه بماكينته الانتخابية، والذي قال فيه كلاما عن لائحة العزم والرئيس نجيب ميقاتي لا يمت الى السياسة بصلة، بقدر ما يُظهر حقد الصفدي على ميقاتي ولائحته، الأمر الذي ترك سلسلة علامات إستفهام حول ″السياسي المخملي″ الذي ضرب تاريخا من الرصانة السياسية في موقف إنتخابي لا يعنيه مباشرة كونه عازف عن الترشيح، بل يعني “تيار المستقبل” الذي يدعمه الصفدي في وجه إبن مدينته، بانتظار جائزة ترضية ما بعد الانتخابات.

لم يصدق كثير من الطرابلسيين حتى الآن، بأن الصفدي يمكن أن يصدر عنه كلاما من هذا النوع يتنافى مع العادات والتقاليد الطرابلسية والآداب السياسية، فالرجل على مدار 18 عاما من العمل السياسي المتواصل كان يصرّح تلميحا، لكي لا يعادي أحدا، حتى في ذروة الخلاف مع الرئيس سعد الحريري ومحاولة مناصري “المستقبل” إحراق مكتبه في يوم الغضب المشؤوم، بقي متمسكا بهدوئه وإتزانه، لكنه فجأة ومن دون سابق إنذار كشف عن شخصيته الثانية المتوترة والغاضبة، والتي توزع الاساءات في كل إتجاه، الأمر الذي لم يفعله حتى في عزّ خوضه لمعاركه الانتخابية الشخصية، وعندما تعرض لشتى أنواع الاساءات من “تيار المستقبل” سواء خلال مؤتمر سان كلو، أو في الانتخابات الفرعية في المنية عام 2010، أو حتى لدى قيام الرئيس سعد الحريري بفرط عقد التكنل الطرابلسي الذي كان برئاسته ويسعى من خلاله الى تحقيق طموحات سياسية.

أربع تفسيرات يمكن الركون إليها حول موقف الصفدي الذي إعتبره الطرابلسيون ومعهم كثير من اللبنانيين بأنه بعيد كل البعد عن أدبيات السياسة.

أولا: فشل الهجوم الذي قاده المرشح البتروني جورج بكاسيني على الرئيس نجيب ميقاتي في مهرجان باب الرمل، وإنقلابه الى حملة تعاطف وتأييد ومزيد من الدعم لرئيس لائحة العزم، فأراد تيار المستقبل أن يكون الهجوم الثاني على ميقاتي من أبناء جلدته، وبما أن الوزير محمد كبارة ينأى بنفسه عن هذه التصرفات التي يقوم بها التيار الأزرق، وبما أن النائب سمير الجسر يخشى على كل صوت يمكن أن يخسره بفعل أي دعسة ناقصة، تطوع الصفدي لهذه المهمة، لكنه بالغ في إرضاء “المستقبل”، فأطلق تصريحا أساء فيه الى نفسه قبل أن يستهدف من خلاله الرئيس ميقاتي الذي نال عطفا وتأييدا مضاعفين، خصوصا أن القاصي والداني من اللبنانيين يعلم بأن ميقاتي يحل مكان الدولة في طرابلس ويغطي عجزها من خلال مؤسساته بقطاعاتها المختلفة، وأنه يهتم لأمر مدينته وأهلها، فضلا عن إهتمامه بالطائفة السنية عموما ومواقعها ورموزها وحضور أبنائها على كل صعيد، وربما يكون الوحيد بين رؤساء الحكومات الذي تضم مؤسساته قطاعا دينيا إسلاميا ناشطا محليا وإقليميا ودوليا.

ثانيا: محاولة الصفدي تقديم أوراق إعتماده للرئيس سعد الحريري على مسافة عشرين يوما من الانتخابات، فبادر من تلقاء نفسه الى اطلاق هذا التصريح تعبيرا عن إخلاصه لـالتيار الأزرق، قبل أن يكتشف أن تصريحه أدى الى تحريك الرأي العام ضده، والى إرباك المستقبل الذي بدأت بعض قياداته وكوادره تتبرأ ضمنا مما قاله الصفدي.

ثالثا: حقد الصفدي الشخصي على الرئيس ميقاتي الذي ترأس الحكومة لمرتين، ويتمتع بحضور أفقي في طرابلس والشمال، في حين كان الصفدي يخفق في كل مرة في الوصول الى هذا المركز بالرغم من سعيه الحثيث الى لقب دولة الرئيس، وكان آخرها لدى إستقالة الرئيس سعد الحريري من السعودية، حيث سارع الصفدي الى تجهيز نفسه، وقد زار لهذه الغاية رئيسيّ الجمهورية ميشال عون والمجلس النيابي نبيه بري، قبل أن يتلاشى هذا الحلم بالالتفاف اللبناني حول الحريري وعودته الى لبنان ثم عودته عن الاستقالة.

رابعا: شعور الصفدي بأن مسيرته السياسية قد تتجه نحو الأفول بعدم ترشحه، في حين أن ميقاتي يترأس لائحة يُجمع الكل على أنها الأكثر حضورا وشعبية في طرابلس، ويستعد لدخول المجلس النيابي بكتلة نيابية وازنة مؤثرة في الحياة السياسية اللبنانية، فيما هو أي الصفدي عليه أن ينتظر فوز الرئيس الحريري في الانتخابات، ومن ثم وفائه له بمنحه وزارة في الحكومة الجديدة، إن إستطاع ذلك، إضافة الى المخاوف التي تزداد يوما بعد يوم من تراجع شعبية “المستقبل” الذي ينتظر زيارة سعد الحريري الطرابلسية لمحاولة إستنهاضها، فضلا عن ضعف الماكينة الانتخابية للصفدي التي لم تعد كما كانت خصوصا في ظل إحجامه عن الترشيح، كل ذلك دفعه الى الخروج عن طوره وإطلاق تصريحات لا تشبهه.

يقول أحد المتابعين الطرابلسيين: إن الصفدي اليوم في حالة سياسية لا يُحسد عليها بعدما قرر العزوف عن الترشح للانتخابات، وبدل أن يستغل ذلك في أن يكون على مسافة واحدة من جميع القيادات في طرابلس لدعمه في تحقيق ما يصبو إليه، ذهب بعيدا في العداء لأكثرية القيادات السياسية، الأمر الذي قد يعزله ويضعه في الحضن المستقبلي حصرا.

Post Author: SafirAlChamal