علاقة ″المستقبل″ مع طرابلس.. مثل السفرجلة ″كل عضّة بـ غصّة″… غسان ريفي

لم يسبق لمدينة في لبنان أن وقفت الى جانب تيار سياسي، كما وقفت طرابلس الى جانب ″تيار المستقبل″، فقدمت على مدار أكثر من عقد من الزمن كل ما لديها من أجل نصرته ودعم مسيرته، لكنها لم تحصد جراء ذلك سوى خيبات الأمل، والمزيد من الاهمال والحرمان ما جعل الفيحاء تُصنف في ″برنامج الأمم المتحدة الانمائي″، كأسوأ مدينة من الناحية الاجتماعية على ساحل المتوسط.

لم يكن ″المستقبل″ ليثبت حضوره السياسي لبنانيا لو لم تكن طرابلس معه، وهي التي ملأت ساحات 14 آذار وبعدها كل المناسبات المتعلقة بثورة الأرز قبل أن تتلاشى، ولم يكن ″المستقبل″ ليحكم لولا طرابلس التي منحته الأكثرية النيابية لدورتين إنتخابيتين عاميّ 2005 و2009، ولم يكن ″المستقبل″ ليصمد لو لم تنبري طرابلس للدفاع عنه، وعن الرئيس فؤاد السنيورة أيام ″حكومته البتراء″ وخلال محاصرة السراي الحكومي من قبل قوى 8 آذار.

في المقابل، رد المستقبل جميل طرابلس بالتخلي عن ثوابت ومبادئ ثورة الأرز، وردّ جميلها في السلطة بحرمانها من المشاريع والانماء والتنمية والاكتفاء باطلاق الوعود العرقوبية، وردّ جميلها في حماية السراي، بالهجوم على تلك السراي التي تشكل الرمز السياسي السني الأول عندما كان إبن طرابلس الرئيس نجيب ميقاتي رئيسا للحكومة، وهو أمر لم يجرؤ حزب الله وحلفاؤه في قوى 8 آذار على القيام به، أثناء التظاهرات التي وقفت عند حدود السراي حفظا للتوازنات، التي لم يقم “المستقبل” الذي يدعي تمثيل السنة، وزنا أو حرمة لها..

أشرك تيار المستقبل طرابلس في كل مغامراته السياسية والأمنية التي كانت تنعكس في كل مرة، دماء ودمارا وخرابا على الفيحاء وعلى شبابها الذين كان مصيرهم الدخول الى السجون لأنهم تحمسوا للشعارات الزرقاء وحملوا السلاح دفاعا عنها، قبل أن يجدوا أن ما كان مطلوبا منهم هو تحسين شروط التيار الأزرق في التسوية التي جمعته مع حزب الله في أكثر من حكومة، وفي 43 جلسة حوار، وجعلت من التيار الوطني الحر شريكا وحليفا في السياسة وفي الانماء بمعزل عن العاصمة الثانية التي كانت شريكة في الغرم، من دون أن يكون لها نصيب في الغنم.

عشر سنوات ونيّف من حكومات المستقبل سواء برئاسة سعد الحريري أو من ينوب عنه، لم تعط طرابلس أبسط حقوقها، فالمرافق الاقتصادية القادرة على النهوض بكل لبنان من الفيحاء تحولت الى قلاع مهجورة تعشش فيها العناكب، والمشاريع إما معطلة أو تمتد من جيل الى جيل، أو تنفذ بخلاف دفاتر الشروط لتتحول الى نقمة على المدينة بدل أن تكون نعمة عليها، مجلس الانماء والاعمار لا يعترف بحق طرابلس، أو يمارس ديكتاتورية تسيء الى كرامة الطرابلسيين، والهيئة العليا للاغاثة شبه غائبة، وهي تنشط مؤخرا في جولات أحمد الحريري الانتخابية، تعيينات الفئة الأولى معدومة، وقد سُجل مؤخرا إقالة مدير عام طرابلسي ليحل مكانه مدير عام جديد من الضنية، حتى بات موظفو الفئة الأولى من الطرابلسيين أقل من أصابع اليد الواحدة، بعدما كان عددهم يتجاوز الـ 25 موظفا في مجالات ومراكز مختلفة.

لم يحتمل المستقبل أن يكون لطرابلس رئيس حكومة من أبنائها، فأقام الدنيا ولم يقعدها تحت شعار الانقلاب والشراكة في الحكومة مع حزب الله الذي ما لبث أن تحول شريكا للمستقبل الذي أحلّ لنفسه ما حرمه على غيره، ولم ينته الأمر عند هذا الحد بل إن الرئيس سعد الحريري برأ الحزب من إستخدام سلاحه في الداخل اللبناني، وأكد أنه لن يشكل حكومة من دون حزب الله الذي يعتبر ضمانة للاستقرار.

لكن ماذا كانت النتيجة في طرابلس، يوم غضب ما تزال آثاره السلبية راسخة في أذهان أبناء المدينة، و20 جولة عنف بين التبانة وجبل محسن، وتحويل الفيحاء الى ساحة خلفية للمعارك الدائرة في سوريا، فضلا عن تشويه الصورة الطرابلسية، وإنهيار الاقتصاد، وإقفال المؤسسات، لترتفع نسب الفقر الى أكثر من 60 بالمئة، وتصل نسبة البطالة الى أكثر من 40 بالمئة، وتتجاوز نسب التسرب المدرسي الـ 58 بالمئة.

أمام هذا الواقع يتطلع الطرابلسيون في الانتخابات المقبلة الى قيادة سياسية طرابلسية الهوى والهوية، تدافع عن المدينة وتنتزع حقوقها، وتحرك عجلة مشاريعها المتوقفة، قيادة تعيش أوجاع ومعاناة أهلها، قيادة غير خاضعة لأي تيار سياسي مركزي في بيروت، بل تعمل بوحي تطلعات أبناء المدينة، قيادة مؤسساتها الخدماتية مفتوحة على مدار الساعة، تعطي وتقدم من دون حساب، قيادة تستعيد قرار طرابلس وتعيدها رأسا في المعادلة السياسية كما كانت تاريخيا.

يقول أحد القيادات الطرابلسية: إن تيار المستقبل يقدم نفسه اليوم وكأنه يخوض الانتخابات النيابية لأول مرة، فيتذاكى على أبناء طرابلس بطرح الشعارات السياسية المستهلكة، والمشاريع الانمائية، ثم يمارس الترهيب والترغيب على الناخبين، في حين يتناسى المستقبل أن علاقته مع طرابلس وأهلها منذ العام 2005 وحتى اليوم، ينطبق عليها المثل الشعبي: شو بدي إتذكر منك يا سفرجلة كل عضة بغصة.

مواضيع ذات صلة :

Post Author: SafirAlChamal