المستقبل يفتش عن عدوّ.. عشية الانتخابات… غسان ريفي

 تُثبت الوقائع أن ″تيار المستقبل″ لا يستطيع أن يمارس السياسة من دون أن يكون هناك عدوا في الأفق يعيش على عداوته، ويصنع شعبيته منه، ويخوّف به اللبنانيين، ويخوض الانتخابات النيابية ويحاول إلغاء خصومه، على أساس مواجهته وحماية البلد من شره أو من أجنداته الخارجية أو من سلاحه.

عندما كان هذا ″العدو″ حاضرا بعد إستشهاد الرئيس رفيق الحريري في العام 2005، وكان يتمثل بالنظام السوري المتهم آنذاك بعملية الاغتيال الآثمة، حقق ″تيار المستقبل″ الأكثرية النيابية في الانتخابات، وإجتاح اللون الأزرق المناطق السنية التي تعاطف أهلها مع الرئيس سعد الحريري حامل أمانة الشهيد.

في إنتخابات برلمان عام 2009، أضاف ″تيار المستقبل″ الى ″عدوه السوري″ عدوا جديدا هو ″حزب الله″ الذي ″يهدد اللبنانيين بسلاحه، ويعمل على تنفيذ أجندة إيرانية تريد السيطرة على مقدرات البلاد″، فخاض المعركة الانتخابية على وقع أحداث 7 أيار 2008، وعلى ″بركة″ كلمة ″اليوم المجيد″ التي قالها السيد حسن نصرالله عشية الاستحقاق، وحقق أيضا فوزا كاسحا، وحصل على الأكثرية النيابية التي أوصلت الحريري لأول مرة الى رئاسة الحكومة التي جعلت بسحر ساحر ″العدو″ صديقا وشريكا في الحكم، فشارك ″حزب الله″ ومعه ″التيار الوطني الحر″ في الحكومة، ثم زار بعد ذلك الحريري سوريا بمباركة ″السين ـ سين″ ونام في قصر بشار الأسد الرئاسي، وأكد من هناك أن ″إتهام سوريا باغتيال والده كان إتهاما سياسيا″. لكن لغة العداء والتخوين ما لبثت أن عادت وبقوة بعد خروج الحريري من الحكم إثر إستقالة وزراء 8 آذار والتيار الوطني الحر وفوقهم الوزير الملك عدنان السيد حسين، ليتذكر ″تيار المستقبل″ مجددا أن ″عدوه″ و″عدو″ الاستقرار في لبنان هو النظام السوري، و″حزب الله″ الذي يريد بحسب ″التيار الأزرق″ أن ″يهيمن على البلد وأن يحكم اللبنانيين بسلاحه″، كما قرر في العام 2011 خلال حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الوقوف الى جانب الثورة السورية، وإسقاط الحكومة والنظام السوري وسلاح الحزب من طرابلس التي شهدت 20 جولة عنف ذهب ضحيتها 185 شهيدا، وأكثر من 2550 جريحا، فضلا عن تشويه سمعة المدينة وإنهيارها الاقتصادي الذي ما تزال تعاني منه حتى اليوم.

مع إستقالة حكومة الرئيس ميقاتي، ودخول ″المستقبل″ في تسوية سياسية جديدة، تراجعت لغة العداء، وشارك ″التيار الأزرق″ مع ″حزب الله″ و″التيار الوطني الحر″ في حكومة الرئيس تمام سلام، وبدأت جلسات الحوار بين ″المستقبل″ و″الحزب″ برعاية الرئيس نبيه بري، الى أن وصلت الى الرقم 43 حيث توقفت كونه لم يعد هناك ما يتم الحوار من أجله بعدما أصبحت أكثرية وجهات النظر متطابقة.

بعد ذلك بدأ سعي الرئيس الحريري لاستعادة رئاسة الحكومة، فرشح لذلك حليف النظام السوري زعيم تيار المردة سليمان فرنجية الى رئاسة الجمهورية، وعندما فشلت التسوية، رشح حليف ″حزب الله″ العماد ميشال عون الذي إنتخب رئيسا، وتمت تسمية الحريري رئيسا للحكومة، بالتضامن والتكافل مع ″حزب الله″ و″التيار الوطني الحر″ الذي ما لبث أن أصبح حليفا أساسيا لـ″المستقبل″ يخوضان الانتخابات النيابية سويا، وينفذان المشاريع بالتنسيق معا، أما ″حزب الله″ فبات بحسب تصريحات الحريري ″ضمانة الاستقرار في لبنان، ولم يستخدم سلاحه في الداخل، ولا يمكن تشكيل أية حكومة من دون مشاركته″.

اليوم وعشية الانتخابات النيابية، عاد ″تيار المستقبل″ بعد كل تلك التنازلات التي قدمها، الى التفتيش عن ″العدو″ لتخويف الناس به ومنه، وذلك بهدف حصد شعبية مفقودة، بعدما بات الناخبون على قناعة بأن هذه المصطلحات أصبحت ″غب الطلب″، تستخدم في الاستحقاقات الانتخابية لتعبئة الناس، ثم ينتهي مفعولها بعد ذلك، ليعود التعاون مع ″الأعداء″ من أجل مصلحة الوطن.

اللافت أن ″تيار المستقبل″ لا يحترم ذاكرة وذكاء اللبنانيين، فالرئيس الحريري يخوّف الناخبين من عودة الوصاية السورية الى لبنان، والنائب سمير الجسر يحذر من ″القمصان السود″، ويعلن التعبئة العامة في طرابلس بوجه من يريدون أن يغتالوا تياره سياسيا في الانتخابات المقبلة، وآخرون يذكّرون ″البيارتة″ بـ 7 أيار، ويدعون الى التصدي لمن يريد أن يقفل بيت الحريري، لكن يبدو أن ″تيار المستقبل″ نسيَ أو تناسى أنه ما يزال في السلطة، أنه يسخر كل مقدراتها ومؤسساتها وأجهزتها لمصلحته الانتخابية، سعيا لالغاء خصومه وإغتيالهم سياسيا، وهو يتعاون في الحكومة مع القمصان السود والقمصان البرتقالية وكل القمصان السياسية الأخرى المنضوية في قوى 8 آذار الممثلة بعدد من المرشحين على ″اللوائح الزرقاء″، فلماذا كل هذا التوتير؟، ولماذا يتم التفتيش عن ″عدو″ لم يعد موجودا في كل إستحقاق؟.

يقول أحد القياديين المطلعين: ″إن تيار المستقبل يستخدم النظام السوري وحزب الله ″فزاعة″ سياسية في كل مرة قبيل الانتخابات ليستثير غرائز الناخبين وعواطفهم، ويحصد أصواتهم، لافتا الانتباه الى أن إستحضار ″العدو″ لم يعد ينطلي على الناخبين الذين باتوا أكثر وعيا لما يدور من حولهم، خصوصا أن ″المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين″. 

Post Author: SafirAlChamal