الحريري والقرار السّياسي: يُحرّم على غيره ما يُحلّه لنفسه… عبد الكافي الصمد

أقسم رئيس الحكومة سعد الحريري، أمس، بأنه سيمنع “خطف” الإنتخابات النيابية المقبلة من قبل بعض من يحاول ذلك، معتبراً أن “هذه الإنتخابات مصيرية”، وداعياً “كل مواطن” كي يشارك في العملية الإنتخابية “من أجل زيادة الحاصل الإنتخابي”، وكي “لا نسمح لأحد أن يأخذ قرار بيروت من أهلها”.

متناقضاً إلى أبعد الحدود يبدو زعيم التيار الأزرق في مواقفه هذه الأيام، ويبدو ذلك مفهوماً إلى حدّ معين كون الزمن زمن إنتخابات نيابية، وعلى من يخوضها أن يسعى بكل السبل من أجل كسب أصوات الناخبين، من هنا وهناك، من غير أن يلتفت إلى الوسيلة، طالما الغاية تبرر له ذلك.

أبرز تناقض يقع فيه الحريري أنه يحرض المواطنين في خطاباته الإنتخابية الأخيرة كي لا يسمحوا للآخرين، وهم خصوم تيار المستقبل بالتأكيد، بأن يصادروا أصواتهم أو قرار مناطقهم ومصيرها، وهو تحريض يرتد عليه سلباً في بعض المناطق المحسوبة طائفياً ومذهبياً على الطائفة السنّية، مثل طرابلس وعكار والضنية والمنية والبقاع إلى جانب صيدا، عندما خرجت منها أصوات تدعو المواطنين للوقوف في وجه الحريري الذي يصادر قرارهم، ويبعد أهلها عن تقرير مصيرهم بأنفسهم.

منذ إنتخابات عام 2005، التي أعقبت إغتيال الرئيس رفيق الحريري، لم يتوقف نجله ورئيس الحكومة الحالي عن مصادرة قرار الناس وكسر إرادتهم، بفرض مرشحين في لوائحه الإنتخابية عليهم، وتعامله معهم وكأنهم رعايا وليس مواطنين أو مناصرين، من غير أن يأخذ رأيهم في هذا المجال، ورافضاً أي مناقشة لقراراته وخياراته حتى لو تبين له خطأها، ما جعل كثيرين من محازبيه ومناصريه يبتعدون عنه تدريجياً لأسباب عدة.

فما استطاع الحريري تحقيقه في إنتخابات 2005 و2009 لا يبدو قادراً على تحقيق نصفه في الإنتخابات النيابية المرتقبة التي ستجري بعد أقل من شهر، لأن هناك عوامل كثيرة تمنعه من تحقيق ذلك، أبرزها قانون الإنتخابات الجديد القائم على مبدأ النسبية والصوت التفضيلي الذي جعل الإنقسام داخل تياره الأزرق عمودياً، وانفضاض حلفاء كثر من حوله، خصوصاً رفاقه في فريق 14 آذار، ووقوف خصومه السياسيين داخل الطائفة السنّية لأول مرة في وجهه وقفة الندّ للندّ، واستياء قاعدته الشعبية الزرقاء من اختيار مرشحيه غير الأكفياء بنظرهم، سواء بسبب عدم شعبية بعضهم أو فساد البعض الآخر، أو اختياره مرشحين يعتبرهم الشارع الازرق “ودائع” أدخلهم الحريري ضمن لوائحه، ضارباً كل خطابه السياسي منذ 13 عاماً عرض الحائط، علهم يكونوا بوابة عبور تسمح له بالدخول إلى ورشة إعادة إعمار سوريا التي يتنتظرها هو وكثيرون غيره على أحرّ من الجمر.

كل ذلك يحصل بينما الحريري يتهيّأ لزيارة مرتقبة إلى طرابلس وعكار والضنية والمنية مجدداً بعد قرابة أسبوع تقريباً، حسب مصادر تيار المستقبل، بعد زيارته لهذه المناطق يوم إعلان لوائح “الخرزة الزرقاء” فيها، لكن هل يتوقع الحريري أن يقول له أو يسأله أحد الموطنين إذا أقسم أمامه أن يمنع أحداً من مصادرة قرار طرابلس وعكار والمنية والضنية، “أنت الذي يصادر قرارنا يا دولة الرئيس”، عندها ماذا سيقول له الشيخ سعد؟.

Post Author: SafirAlChamal