الصفدي يصفّي تركته السياسية في حساب تيار المستقبل… غسان ريفي

حصل ما كان متوقعا، النائب محمد الصفدي خارج السباق الانتخابي لدورة عام 2018، حيث أعلن في مؤتمر صحافي عزوفه عن الترشيح هو وكل من يمت إليه بصلة من أصوله وفروعه، وذلك بعد 18 عاما أمضاها في الندوة البرلمانية، من ضمنها تسع سنوات حمل فيها لقب ″معالي الوزير″ حيث عين وزيرا للأشغال العامة والنقل في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة من عام 2005 الى عام 2008، ووزيرا للاقتصاد والتجارة في حكومة السنيورة الثانية من عام 2008 الى عام 2009، ووزيرا للاقتصاد مرة ثانية في حكومة الرئيس سعد الحريري من عام 2009 الى عام 2011، ووزيرا للمال في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي من العام 2011 الى عام 2014.

مؤتمر العزوف ترك وراءه كثيرا من التساؤلات حول قرار الصفدي بعدم الترشح، خصوصا أن نائبا معتدلا من طرازه لا يمكن أن يُقدم على خطوة من هذا النوع كفيلة بأن تنهي حياته السياسية، من دون أسباب موجبة ومقنعة، إلا إذا كان الصفدي قد ملّ العمل النيابي والسياسي، أو أنه يواجه ضغوطات معينة، أو أنه لا يريد أن يدخل في مغامرة الصوت التفضيلي. التي يخشاها الجميع.

اللافت أن الصفدي لم يكتف بالعزوف، بل وضع ماكينته الانتخابية في خدمة ″تيار المستقبل″، وطالما أن ماكينته حاضرة وهي مشهود لها بالتنظيم والقدرة على التجيير، فقد كان الأولى به أن يضعها في خدمة ترشيحه، أو في خدمة ترشيح عقيلته السيدة فيوليت التي كشف الصفدي أنها تلقت أكثر من عرض أحدهم من الرئيس سعد الحريري لتكون على لائحة المستقبل عن المقعد الأرثوذكسي، أو ترشيح إبن شقيقه أحمد، لكن كل ذلك لم يحصل، فبدا الصفدي أشبه بـ″كاريتاس″ يندفع لتجيير أصوات ماكينته الى التيار الأزرق، ويزهد بالمقعد النيابي، وبالمقعد الوزاري في حكومة ما بعد الانتخابات، أما رئاسة الحكومة فلها كلام آخر في حال كان الظرف مناسبا.

كثيرون ممن حضروا المؤتمر الصحافي لم يقنعهم طرح الصفدي، وهم خرجوا من القاعة يضربون كفا بكف على العزوف غير المبرر، وعلى تجيير الماكينة الانتخابية للمستقبل، خصوصا أن هؤلاء يدركون أنه بالمفهوم اللبناني عموما والطرابلسي خصوصا لا يمكن لأي ماكينة إنتخابية أن تعمل بكل طاقتها لغير صاحبها، ولفريق سياسي آخر كان حتى الأمس القريب من ألد الخصوم.

لا ينسى أنصار الصفدي كيف عمل المستقبل على فرط عقد التكتل الطرابلسي بعد إتهامه بالخيانة العظمى عندما إتخذ موقفا وطنيا متقدما في مؤتمر سان كلو برفض إنتخاب رئيس الجمهورية بالنصف زائدا واحدا، إضافة الى الهجوم الشرس على الصفدي عندما رفض المشاركة في الانتخابات الفرعية في المنية، وتأكيد المستقبل أنه لولا أصواتنا لما كان وصل الى النيابة، فضلا عن محاصرة مكتبه الخدماتي من قبل أنصار المستقبل في يوم الغضب المشؤوم وإحراق محتوياته، كل ذلك من شأنه أن يدفع كوادر الماكينة الانتخابية وعناصرها الى التسرب شيئا فشيئا باتجاه القيادات الأخرى في المدينة التي تخوض معركة جدية، وليس معركة بدل عن ضائع.

ومن المعروف أيضا لدى كل الناشطين، أن أساس العمل السياسي في لبنان هو الانتخابات النيابية التي تخلق العصب الشعبي لأي مرشح أو نائب، وبالتالي فإن أي حديث عن إستمرار الصفدي في العمل السياسي أو إنشاء حزب أو تيار من دون خوض الانتخابات النيابية يبقى مجرد كلام غير قابل للترجمة الفعلية على الأرض.

هذا الواقع يؤكد بما لا يدعو الى الشك بأن الصفدي قرر أن ينهي مسيرته السياسية بملء إرادته وعلى حياته، وأن يقطع الطريق على أي وريث له سواء كانت عقيلته فيوليت أو إبن شقيقه أحمد، لأن الظروف قد تكون مؤاتية اليوم، أما بعد أربع سنوات فلا أحد يضمن كيف تكون الأوضاع، علما أن الابتعاد عن النيابة يؤدي حتما الى إنفضاض القاعدة الشعبية وتشتتها.

أما المفاجئ في مؤتمر الصفدي فكان الهجوم غير المبرر الذي شنه على الرئيس نجيب ميقاتي وحكومته التي إعتبر أنها لم تقدم شيئا لطرابلس، وقد جاء هذا الهجوم بمثابة من يجلد نفسه خصوصا أن الصفدي كان شريكا أساسيا لميقاتي من التكليف الى التشكيل الى ممارسة الحكم، وكان يمتلك التوقيع الثالث في الدولة كوزير للمالية، ويمتلك كل أدوات الضغط والتعطيل لكن كثيرا من المراسيم الخاصة بصرف مبالغ لانماء طرابلس لم توقع، كما أن معارضة تيار المستقبل لميقاتي والصفدي على وجه الخصوص، وإنتقال كل التوترات الأمنية الى طرابلس وجولات العنف المتلاحقة والفلتان الأمني أدى الى إنشغال الحكومة الطرابلسية الخماسية المصغرة في كيفية إستعادة الأمن وحماية المدينة من الانزلاق الى بركان الأزمة السورية.

هجوم الصفدي على ميقاتي أعطى إنطباعا لكثير من المتابعين أن قراره بوضع ماكينته الانتخابية في خدمة تيار المستقبل، يأتي من ضمن تصفية حسابات سياسية وإنتخابية مع ميقاتي الذي ربما يكون الصفدي نفسه وكثير من أبناء المدينة إنتظروا رده على هذا الهجوم، لكن ميقاتي آثر عدم الرد.

يمكن القول إنه كان بامكان الصفدي أن يجد إخراجا أفضل لاعلان عزوفه عن الترشيح، وأن يقدم نفسه بعد تحرره من هذا العبء، كمرجعية طرابلسية معتدلة على مسافة واحدة من جميع الأطراف، قادرة على جمع الكلمة وتوحيد الصف من أجل تحقيق مصلحة المدينة في المرحلة المقبلة، بدل الدخول في لعبة الاصطفافات.  

Post Author: SafirAlChamal